لست قياديا في جبهة الخلاص وان كنت أتشرف بالانحياز سياسيا الى صفها قاعديا ملتزما بخطها . ولم أكن معنيا بالمبادرة الوطنية لتوحيد الصف الديمقراطي التي يسجن من اجلها القادة الأصدقاء وان كان يهمني ان تنجح مثل هذه المبادرات من اجل تونس ديمقراطية كما حلمنا بها .
للسببين أعلاه سيكون حديثي هذا مجرد وجهة نظر تحاول ان تكون موضوعية من زاوية التحليل السياسي بعيدا عن الانحياز او المناصرة العاطفية .
ان هدف هذا المقال هو التأكيد على ان جبهة المعارضة الوطنية اليوم بقيادة جبهة الخلاص تملك كل المقومات العقلانية والواقعية السياسية لتكون طرفا في حوار وطني هادئ ينتهي الى خطة انقاذ على قاعدة لا غالب ولا مغلوب اذا قررت " الدولة " بعقلها ان تتوقف عن هذا الانحراف الاستبدادي الذي تذهب اليه السلطة في هذا الوضع العصيب والمازوم الذي تمر به البلاد .
أقدر ان جبهة الخلاص بقيادة الاستاذ نجيب الشابي حاليا تمثل الرقم الاساسي في مشهد سياسي وطني بلغت فيه الازمة أوجها وأصبحت فيه البلاد مهددة بالانهيار الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي وتوضع فيه الدولة الوطنية ومكاسبها واستقرارها واستمرارها امام تهديد جدي ما لم يتجه عقل الدولة الوطنية العميق الى التسوية التاريخية من جديد بين الفرقاء ومن هذا المنطلق يجب ان نعتبر وجود الاستاذ نجيب الشابي على رأس المكون الرئيسي للمعارضة اليوم نقطة ايجابية تسهل الذهاب السريع الى هذا الخيار التسووي الانقاذي.
ان جبهة الخلاص بقيادة سي نجيب مثلما كانت "مواطنون ضد الانقلاب" قبلها بقيادة ثلة من الجيل الذي يليه وان كانتا فعاليتين سياسيتين وضعتا نفسيهما في سقف "المقاومة" (في مواجهة اغتصاب للسلطة بالقوة القاهرة للدولة وفي تعد صارخ على قواعد الاشتباك الديمقراطي تحت سقف المواثيق والعهود والقوانين والدستور ) فانهما مع ذلك ظلتا فعاليتين سياسيتين تتحركان بأساليب " المعارضة " المعتدلة و السلمية والديمقراطية وتقدران الدولة حق قدرها وتتعاطيان معها كمؤسسات قائمة رغم الاعتداء الذي تم على المؤسسة التشريعية والهيئات الرقابية .
واذا اعتبرنا ان مرحلة مواطنون ضد الانقلاب كانت مرحلة اطلاق المقاومة والهبة الديمقراطية بما تتطلبه من صرامة في الخطاب وتثبيت للبوصلة يوحي للبعض براديكالية ارادوية فقد كان ذلك مجرد تأكيد كفاحي ضروري للشرط الميداني ولذلك كان المرور للشرط السياسي مقترنا بتشكيل جبهة سياسية ونقدر ان قيادة هذه الجبهة عبر الاستاذ نجيب الشابي بما عرف عنه من هدوء في الخطاب وميل الى سياسة التسويات وتجنب الشخصنة في الصراع مع الخصوم يمثل فرصة مهمة لعقل الدولة ان كان مازال حاضرا في خيارات السلطة الحالية للذهاب نحو حل وطني للإنقاذ بعيدا عن العبث الشعبوي المدمر للمؤسسات والمهدد للاستقرار وبعيدا عن الارتهان لغرائز المحيط الاستئصالي اليسراوي الطفولي وخلايا الثورة المضادة و اذناب الحنين الى التسلط القديم والمفوت الذي وضع الدولة الوطنية في الازمات المتعاقبة طيلة العقود السابقة للثورة .
الاستاذ نجيب الشابي (وعلى عكس ما يروج له اليوم غربان الفتنة ودعاة الاحتراب والمحرضون على الديمقراطية) لا يمكن ان يزايد أحد على اخلاصه وحرصه على الدولة الوطنية وتمسكه باستقلال القرار الوطني ورفضه لمنطق التدخلية بل وانحيازه اصليا لخيارات المقاومة والتحرر الوطني منذ ازمة العراق وفي كل مناسبات اشتداد الصراع العربي الصهيوني وهذا يسقط كل ادعاءات السلطة الحالية وانصارها الحقيقيين او المزيفين ممن يريدون جعل الاستقطاب مع جبهة الخلاص (قيادة مقاومة الانقلاب) هو صراع بين خيار وطني مزعوم وخيار تابع ولعل العكس اصلا هو الأصح .
من جهة اخرى لا يستطيع أحد ان يزايد على السيد نجيب الشابي في وقوفه على امتداد العشرية الماضية على مسافة من كل الطيف السياسي الذي مر بالسلطة ، ورغم اختلافي شخصيا مع كثير من هذه المواقف التي اتخذها سي نجيب منذ 2011 ، فقد قدرنا في مواطنون ضد الانقلاب ان وجوده على رأس جبهتنا السياسية من شأنه ان يعبر اولا عن موقفنا النقدي الاصيل من تخبط عشرية الانتقال وتعثره وان يؤكد ثانيا استعدادنا الاصلي كأطياف مكونة لجبهة مقاومة 25 لصياغة النقد والتقييم المشترك لمرحلة 24 وهو ما سيساهم في اعادة رأب الصدع بين القوى المنتصرة للديمقراطية ودستور الثورة بل وحتى الذهاب الى تسوية تأسيسية جديدة يمكن الاستماع فيها الى كل اراء وتخوفات ومطالب من اعتبر 25 فرصة وتصحيحا للمسار ممن لا نحمله على فلول المضادة والقديم الفاشي والوظيفية الاستئصالية .
اما من يحرص باستمرار على ان يحسب نصرته للديمقراطية بمدى المسافة مع حركة النهضة فلا نظن ان احدا يمكن في هذا الاطار ان يجادل في العلاقة النقدية، بل والجذرية النقدية التي يعبر عنها في هذه العشرية المسار السياسي للأستاذ نجيب الشابي مع "الاسلام السياسي " وهو ما يجعله مؤهلا ليكون طرفا مهما في بناء تسوية وطنية كبيرة تتجاوز الشروخ والاختلافات الايديولوجية والعملية التي اعادت احياءها هذه العشرية بما يطمئن كل الفرقاء بعيدا عن منطق الاستئصال او الاستقطاب العبثي.
ان الحديث على نجيب الشابي اليوم ليس حديثا عن شخص، بل محاولة لصياغة رؤية وخط عبر تحديد ملامحهما في ذات وكائن سياسي لتسهيل المقاربة . ولا هدف لنا من ذلك الا التذكير مرة اخرى بأن خياراتنا في مواجهة الانحراف الاستبدادي ليست معركة شخصية مع الاستاذ قيس سعيد او غيره ولا هي معركة مع الدولة الوطنية ولا هي خيارات راديكالية عدمية، بل هي في جوهرها خيارات اصلاحية ثابتة واصيلة من اجل تونس كما نريدها حرة نامية وديمقراطية لكل ابنائها .