أتابع تصريحات الصديقين زهير المغزاوي (أمين عام حركة الشعب) وزهير حمدي (أمين عام التيار الشعبي) من مستجدات المشهد السياسي في بلادنا والعالم العربي بكل استغراب وحيرة، بالنظر إلى ثلاثة عناصر أساسية كان يفترض أن تجعل مواقفهم مختلفة تماما عن هذه التي تنضح حقدا واستئصالاً وانتقاما وتتناقض بوضوح في نزوعها الإقصائي، سواء تعلّق الأمر برفاق التيار كالدكتور سالم الأبيض مثلا، أو مع المرجعية القومية العربية نفسها كالحالة المصرية (فلننظر مثلا مواقف الاستاذ حمدين صباحي ورفاقه في الحركة المدنية الديمقراطية) أو المشرقية (المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي )، وهنا أود التوقف أساسا عند مفارقة تجعل من هؤلاء الأصدقاء أكثر ملكية من الملك، أو بالأحرى أكثر سورية من القيادة السورية نفسها، وبيان ذلك كما يلي:
أولا: لقد تابع الجميع المصالحة التي جرت مؤخرا بين النظام السوري وحركة حماس (إخوان مسلمين) والتي أعادت حركة المقاومة الإسلامية إلى مقرّها في العاصمة السورية دمشق، وهو أمر يشير إلى المنطق الذي يفكّر به النظام السوري يجعله مختلفا عن هذا الذي يتبناه قوميو بلادنا المتمسكون فيما يبدو بخصومة الرئيس عبد الناصر رحمه الله مع الجماعة وقد مضى عليها أكثر من نصف قرن.
ثانيا: يتابع المهتمون بالأزمة السورية كذلك اهتمام النظام السوري باستعادة موقعه في النظام الرسمي العربي، واستعداده لطي صفحة الماضي مع ألدّ أعداء الأمس، كالنظام السعودي الذي لا يخفى على أحد أنه كان أهم الممولين للحرب على نظام الأسد وأهم الداعمين بالمال والسلاح لجماعات المعارضة المسلّحة طيلة عقد من الزمان، وسيقوم الرئيس السوري قريبا بزيارة الرياض كما زار قبل ذلك أبوظبي ومسقط، وسيلتقي بطبيعة الحال القيادة السعودية كما استقبل هذا الاسبوع وزير الخارجية السعودي، فانظر كيف تفكّر القيادة السورية وكيف يفكّر الأصدقاء في حركتي الشعب والتيار الشعبي وآخرين عندنا!!؟
ثالثا: بل إن القيادة السورية لديها استعداد لطي صفحة العداء مع تركيا الأردوغانية، التي ما تزال راعية لفصائل المعارضة السورية المسلحة المسيطرة على مناطق متاخمة للحدود مع تركيا، وتشير مصادر كثيرة الى امكانية انعقاد قمة تركية سورية برعاية روسية ايرانية لاعادة العلاقات بين البلدين الى مستواها الطبيعي، فلنتأمّل أيضا كيف يدير النظام في دمشق ملفاته، فيما تجنح أحزابنا القومية إلى منطق وسلوك مغايرين عجيبين.
وأخيرا أقول، باعتباري عضوا في المؤتمرين القومي العربي، والقومي الإسلامي، منذ ربع قرن تقريبا، وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي منذ أكثر من سنة، أن أدبيات التيار القومي العربي التي جرى مراكمتها طيلة ثلاثة عقود، والتي جعلت الهيئات القومية العربية مفتوحة أمام الإسلاميين، ومن بينهم الشيخ راشد الغنوشي وعدد من القيادات النهضوية، وهم أعضاء فاعلون فيها ومؤثرون كذلك، جميعها تجعل من الديمقراطية التعددية ركنا من أركان المشروع الحضاري العربي، تماما كما هي مناهضة لإقصاء أي تيّار من تيارات الأمّة، ولست أدري لماذا يصرّ القوميون العرب في تونس على التفكير خارج الأدبيات المرجعية التي يفترض أن تشكّل موجها للسلوك الفكري والمواقف السياسية من مستجدات الساحة العربية، ويحوّلون رافدا من روافد العروبة كالتيارين الوطني والإسلامي، أعداء ايديولوجيين وسياسيين!!؟