صورة شكارة القمح الامريكي اعادت الى ذاكرتي الشمية رائحة المقرونة المسوسة التي اكلت بعضها في كنتينة مدرستي ...تلك الرائحة علمتني ان اسد خشمي عند الاكل وان اقاوم رغبتي في التقيؤ ...وان استمر حتى الان …
كم تخيلت ان ذلك الزمن قد ولى وان كرواسون دي كارلو قد ارتقي بي لكني....لم اكن من جماعة الكونتينة لسبب غريب ... كان سيدي خليفة مسوؤل المدرسة والكونتينة وهو ابن عم ابي وهو فلاق لم يسلم سلاحه قد نال ترضية حزبية ..لكي لا يمعن في يوسفيته …
وكانت زوجته داداي الصالحة رحمهما الله وبارك في ذريتهما قد اقصاني واخي من الاكلة المدرسية ..خشية ان يتهم بمحاباة ابن عمه .من جماعة الشعبة الدستورية ..يعدان الاكلة للغداء من تلك المحمصة والمقرونة التي تغلب عليها رائحة السوس ... كان سوسا احمر صغير يطفو فوقها اذا كانت (غير ملبدة)... وكانت داداي الصالحة تلقي فيها بعض فول اسود من مطبخها لتخفي منظر السوس الاحمر الصغير…
كان سيدي خليفة يرانا نتسلل في الصف فيتعامى علينا مرة وينهرنا اخرى ...وقال لابي (قل للذراراي ماعادش يجوا ياكلوا باش ما نطردهمش)... وكم بكينا (مازلت اخاف من سيدي خليفة رغم انه توفى الى رحمة الله) .
كان ذلك الغذاء الوحيد المتاح لنا لان ابي واسرتي كانوا يقيمون خاصة في الشتاء في مكان بعيد يجمعون الزيتون (بالكراء)فكنا نعيل انفسنا ..اي والله كنت تلميذا صغيرا واتقنت اعداد العجة والدشيشة والكسرة اذا عجنتها لنا خالتي رحمها الله والحمد لله على مخزون التمر ..لقد جاهدت به وفتحت فتوحي الصغيرة …
البارحة حدثت ابنتي عن تلك الرائحة فرايت القرف على محياها ...ورايتها تعود الى اكلها في جوع قادم ...فبكيت ...لقد خدعنا كرواسون الدولة الوطنية لقد كان غذاء كاذبا يا لمين يا خويا ...اي والله ...لقد سقطت دفاعتنا ضد الفقر ...وتوهمنا السؤدد ..والاستقلال...(وين كان مخبي ها الدمار)..
اشعر بحزن اسود ...واتصالب بايهام ابنتي بقدرتي على توفير خبز بلا سوس احمر منتن..يثير الغثيان ...لم امت بالسوس ...لكني ابيع كليتي من اجل نور ... كي لا تشم تلك الرائحة