تجربة نداء تونس!!؟

استجابة لاستفسارات بعض الاخوة والأصدقاء حول تجربتي في حركة نداء تونس التي ما زلت معتزا بالانتماء إليها، أود بايجاز أن أقدّم بعض المعلومات في نقاط:

١- أنا لم أنتمِ إلى أي حزب بالمعنى التنظيمي قبل الثورة، وكانت توجهاتي الفكري منذ المدرسة الثانوية ذات صلة قوية بتيارين، التيار الوطني الإصلاحي الدستوري (خير الدين، الثعالبي، مزالي..) والتيار الاصلاحي الإسلامي (الافغاني، محمد عبده ، شكيب ارسلان..)، وقد التزمت الحياد الحزبي طيلة عقدين ما قبل الثورة لكنني كنت جزء من الحركة الحقوقية والديمقراطية الوطنية والعربية، وأظنني في مرجعيتي الفكرية لم اغير هذا الخط الاصلاحي المعتدل الجامع بين الهوية العربية الاسلامية والالتزام الديمقراطي والحقوقي إلى يوم النّاس هذا..

٢- منذ اليوم الأول لعودتي الى ارض الوطن اياما بعد الثورة، التزمت بالدعوة الى المصالحة الوطنية وما زلت مؤمنا بها، واخترت عن وعي المساهمة في اعادة بناء حزب الحركة الوطنية الاصلاحية الدستورية بهدف المساعدة على انجاح تجربة الانتقال الديمقراطي، لان الانتقال الديمقراطي كان في نجاحه كما أؤمن رهين المصالحة بين الجديد والقديم، خصوصا انني مؤمن بوجود خط ديمقراطي داخل الحزب الدستوري، وكنت احد رفاق الراحل سي محمد مزالي رحمه الله واحد المؤتمنين على مشروعه الى جانب سي احمد القديدي وغيره، وسي الباجي رحمه الله كان احد قادة التيار الديمقراطي داخل الحزب الدستوري…

٣- لمّا دعاني سي الباجي إلى الالتحاق بالمجموعة المؤسسة لحركة نداء تونس، باعتباره كما اشرت محاولة لإعادة بناء حزب الحركة الوطنية الاصلاحية الدستورية على أساس ديمقراطي ولتحقيق التوازن السياسي المطلوب لإنجاح المسار الانتقالي، سألني:" هل تعرف لماذا دعوتك للالتحاق بالنداء يا سي خالد،؟"، فأجبت "لا"، قال لي سي الباجي : دعوتك لكي تعينني على قلم الإسلام"، فسي الباجي كان يعرف خلفيتي الاصلاحية المحافظة، وأراد أن يحقق بانتماء أمثالي التوازن داخل قيادة النداء، ولهذا حرص على ضمان مقعد لي في جميع الهيئات القيادية للحزب حتى مغادرته الى قرطاج، تماما كما كان حريصا على وجودي في كل هيئة صياغة لبيانات ووثائق الحزب، لثقته في لغتي وافكاري وقربها منه، تماما كما كان يدرك هيمنة العنصر اليساري على قيادة النداء،. وهذا يعود الى اقصاء العنصر الدستوري جراء حظر التجمع بالأساس وحرمان الصف الاول من قياداته من العمل السياسي..

٤- كان لسي الباجي نزعة توافقية متأصلة، لطالما ميّزت رموز التيار الديمقراطي في الحزب الدستوري كأحمد المستيري ومحمد مزالي، ولهذا كان يعتمد علي مع أخرين طبعا، في دعم هذا التوجه، الذي لم يكن يجد سندا كبيرا، ليس فقط داخل قيادة النداء التي كانت في اغلبها يسارية لا تنظر بعين التقدير لكل توجّه قد يقوّي "اليمين المحافظ" (الدساترة والخوانجية) ، بل في داخل حركة النهضة أيضا خصوصا أولئك الذين يرون في النداء المنظومة القديمة وفي الاقتراب منه خيانة للخط الثوري..

٥- في الاثناء أنا لم أخفِ يوما مرجعيتي الاصلاحية، بل انني رجل لا يميل الى الثورية، ولهذا لم ازعم يوما إنني كنت من الثوّار على غرار كل من اعتبر نفسه ثوريا لمجرد انه كان معارضا لنظام بن علي..وبعضهم لم يكن معارضا من الأصل..بل ان بعضهم كان "قوّادا/مخبرا"..وكان بمقدوري ان افعل لكنني لم افعل لأنني بوضوح لم اكن كذلك.. وكما قلت فان منهجي كان الاصلاح لا الثورة، اي المحافظة على الجيّد في القديم وتدارك السيء فيه بإحلال الجديد..

٦- ومن هنا عدم ميلي الى جميع الاطروحات الثورية، خصوصا الثورجية منها، التي بلغ مداها في الخطابات الطهورية والشعبوية، ولم اكن ابدا ارتاح لخطابات امثال السيد عبو والسيد قيس سعيد وغيرهم ممن يعتقدون أنهم انقى وأطهر من غيرهم.. فانا اعتقد بأن الجيدين موجودون في المنظومتين القديمة والجديدة، وان المعتدلين هم الافضل للحكم والاكثر جدارة بالثقة..

٧- ولأن مراحل الانتقال الديمقراطي هي مراحل مطبات هوائية، فمن الطبيعي ان يواجه اهل الاصلاح والوسطية والاعتدال هجومات الثورجيين والشعبويين من كل لون، ولهذا فقد تعرّضت محاولاتنا للانتصار للخط التوافقي الاصلاحي المعتدل سواء داخل حركة نداء تونس أو داخل حكومة الحبيب الصيد إلى الكثير من العنت والمكايدات ، سواء عن سوء ظن وتخطيط، أو عن سوء فهم وتقدير..

وعموما تظل تجربتنا تجربة انسانية معرّضة للخطأ والصواب، وكان لدي الشجاعة والاستعداد للاعتذار عن كل خطأ وقعت فيه..لكن ليس من بينها يقينا، كتاب" نداء تونس..خمس سنوات من العطاء للوطن" الذي أجزم أن احدا لم يقرأه، لكن السقوط الاخلاقي يسمح لأهله بالتعليق على كتاب لم يقرأوه، ولا صلة للكتاب كما يزعمون بمدح أو هجاء، بل هو وثيقة حزبية داخلية أقرب الى المراجعات فيما واجهه هذا المشروع الحزبي من تحديات، سواء في مرحلة الحكم او قبلها في المعارضة، وليس بين الاخطاء كذلك مقولة "العناية الإلهية " فأنا لست مسؤولا عن الحساسية التي لدى البعض تجاه المقاربات العرفانية والدينية، ولأنني ببساطة اؤمن بانه لو لا عناية الله بنا لكنّا من الهالكين.. نسأله تعالى دوام العطف والرعاية.. وأمّا النداء فقد ذبل كتنظيم.. لكنّ فكرته في دمقرطة الحركة الوطنية الاصلاحية الدستورية تظلّ قوّية جدّا.. وعندما ذبلت هذه النسخة الندائية فقد برزت النسخة الفاشية كما ترون.. وأمّا سي الباجي رحمه الله فقد عرفت قيمته اليوم أكثر من أي يوم مضى..وربي يهدينا على بعضنا ويحفظ تونس من كل شر…والسلام عليكم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات