لك الله أيها الجندي، سلاحك القلم والكلمة والموقف الحر الذي لا يبيع و لا يشتري في سوق النخاسة ورحبة السمسرة بالأفكار والمواقف وفي بلاتوات التشويه والقذف تكاثرت علينا وتناسلت بيننا لتنشر الغباء وتعمم الجهل ولتقدم لنا على المباشر فنون الاستجواب البوليسي يضطلع بها اولئك الذين احترفوا بالأمس كتابة التقارير ترفع إلى أسيادهم ينالون بها رضى السلطان وبعض عطاياه وقد أشير إليهم في القصر المسكون من الجنرال المخلوع وزبانيته برقم سري حفاظا على سمعة من ليس له سمعة ..كان ذلك بالأمس زمن ما قبل الثورة.
أما اليوم وقد كادوا يغلقون قوس الثورة المغدورة فقد عاد إلينا أولئك بلا حياء بعد أن أوشكوا على إقفال قوس الحرية وأكل أغلى ثمراتها : النوفمبريون الجدد القدامى ، رفعوا رؤوسهم بعد أن دسوها زمنا في التراب واقسموا لنا بأنهم لن يعودوا إلى ما كانوا فيه غير أن الحجرة لا تذوب …ها هم صاروا اليوم وعاظا وفلاسفة ووطنيين شجعان يتحدثون باسم الشعب ويبشرون بالإصلاح ويعدون بمحاربة الفساد ويكررون علينا ما تقوله السلطة . تكلموا من جديد حين أصبحت الشجاعة محروسة من الحاكم لا يسمح بها أو يكاد إلا إلى انصاره وداعميه أما البقية فلهم التهديد والوعيد خلسة وجهارا صباح مساء وإذا لم يتوبوا فمصيرهم هناك حيث يقبع المناضلون الأحرار.
ها انك ايها الجندي الحزين ضحية من جديد لاستبداد الدولة لا تكتب حرفا إلا بإذن مقدر تقديرا ولا تتكلم إلا بنصيب يحددونه لك.. فأنت تمارس حرية التعبير في حين أن المطلوب ممارسة حرية التفكير والتفكير عندهم بعض من تفكيرهم وجزء من شعاراتهم وترديد لمقولاتهم وثني على هلوستهم أما غير ذلك فيجعلك لا وطنيا ، عميلا او غائبا عن وعي يحددون هم وظائفه وهو وعي الغلبة في زمن النكوص و القهر ، وإذا لم تمتثل جعت وتشردت وتعذبت وقد يصل الأمر بهم إلى وضعك مع السفلة والمجرمين في سجن الدولة التي ترفع عاليا لواء الحرية وتحبس القول الحر.
أيها الجندي الحزين اعتقدت أن الثورة قد حررتك وأطلقت يدك وقلمك وفكرك ووجدانك ولكن هيهات … تألبت عليك قيود الحاكم .من جديد تلك التي أصبحت تحدد خطوط التحرير وتختار الأقلام وتعين الكتبة وتعلي من شأن كرونيكارات ومدوني الدعاية الرخيصة أولئك الذين لهم علم بكل شيء يأتيهم الوحي يوحى بلا حساب من سراديب البناية البنية يبشرون على المباشر بإيقاف عمرو وحبس زيد ، وبين هذا وذاك ملاحقة قضائية يعرفون تفاصيلها قبل أصحاب الشأن و مداهمة للبيوت ومنع من السفر يبشرون بها كل الجائعين إلى الثأر والمنتشين بسم الشماتة والحقد الدفين.
يا من ليس لك غير صوتك لتسمع رأيك وتحرر لسانك اعلم انك في جوعك إن حاصروك وجوّعوك لا تكون إلا كتلك التي تجوع ولا تأكل بثدييها. فلك يا صاحب القلم الحر جوعك الأبي ولهم سلطتهم ومنافعها التي لا تغني من جوع وان امتلأت كروشهم بعرقنا ودمنا.