السياسة لعنة العرب لأنّها لا تعني في مجالهم غير السلطة.. والسلطة عند الحكّام مغنَمٌ.. والمغانم، عند المتسلّطين، تبقى لا تحول.
ورغم أنّ السماء تعهّدتهم بآخر رسائلها لتعلّمهم أنّ الناس عيال الله وأنّ العدل شرط لإقامة عمرانهم، فإنّهم يصرّون على ترك بيانهم العربيّ المبين وأن يكونوا هم الأعراب الذين قال فيهم القرآن إنّهم أجدر ألّا يعلموا الحدود. وفي الوقت الذي يملي فيه العقل على البشريّة وجوب التعاقد لتدبير الاجتماع وضرورة العدل لإقامة العمران يبقون هم على إنكار حدود ما يمليه العقلُ كأنهم أمّة اللاعقل.
وحتّى هؤلاء الذين يدّعون العروبة يحتكرونها هم ألحّ الناس على الدكتاتورية وأكثرهم قعودا عند أقدام المستبدّين يتظاهرون بعروبة لا تعني لديهم سوى تكرار سرديات ظلامية جاءتهم من أروقة مخابرات أنظمة انقلابية جعلت للعسكر سبيلا على الشعوب.. وجعلوها لهم محاريب يتعبّدون فيها في استنساخ لا يخفى لهؤلاء الأعراب الذين أبوا، من قبلُ، الانخراط في دستور المدينة الجامعة.
شهدت الدولة التركيّة انتخابات مصيريّة في تاريخها تصلح درسا في تعليم الديمقراطية، وقد أكّد الشعب التركي غير مرّة، عند الانقلاب والانتخاب أنّه حصن منيع لديمقراطيته رغم ما تلقاه الديمقراطية التركية من عواصف عاتية.
الشعوب العربية، حتّى تلك التي خاضت تجارب الانتقال إلى الديمقراطية، تخلّت عن ديمقراطيتها عند أوّل امتحان وأوت إلى جدار الدكتاتورية المتداعي تستظلّ به ولا تعلم أنّه مأمور بالسقوط عليها لكي تبقى تحت الأنقاض دومًا.. ولا يكون لها بين شعوب الأرض مقام.
المسلمون من غير العرب يصنعون حداثتهم ويلتحقون بنادي الدول الديمقراطية التي تفرض احترامها على أعدائها تستقوي عليهم بتماسك لحمتها بينما يبقى العرب أمّة مستثناةً يعبث بها سلاطين من زمان الحجر يتألّهون على شعوبهم فتطيعهم، عمياء، في زمان كفرت به شعوب الأرض بكلّ الآلهة…
فأبصرتْ.