دعت نقابة الأئمّة في بيان لها مفتي الجمهوريّة إلى إصدار فتوى تلغي فريضة الحجّ لهذا العام،بذريعة الظّروف الإقتصاديّة و الإجتماعيّة التي تمرّبها البلاد.
البيان تضمّن تشكيلة من مصطلحات فضفاضة، لا علاقة لها بالشأن النّقابي، دفاعا عن مشاغل القطاع، ولا بالشّأن الدّيني المتوقّع من أمثالهم ، ولا بالشّان الإقتصادي الذي هم ليسوا مختصّين فيه من قبيل "مراعاة الظّروف الإقتصاديّة والإجتماعيّة" ،"تونس تعيش على وقع ظروف اقتصاديٍة واجتماعيّة صعبة"، ومن ثمّ تخلّص البيان إلى القول بأنّ توجيه نفقات الحجّ إلى مشاريع أخرى أفضل!! أليست هذه فتوى ،فماذا ابقوا للمفتي؟ ثمّ من أدراهم أنّ إجراء كهذا، يمكن أن يحلّ المشكل الإجتماعي والإقتصادي المعقّد ؟
لو صدر هذا البيان عن جهة سياسيّة لكان من الصّعب تقبّله مهما كانت المبرّرات بالنّظر إلى مكانة الحجّ في قلوب المسلمين، حتّى وإن كانت الأغلبيّة السّاحقة والمسحوقة غير قادرة على آدائه بسبب ارتفاع تكلفته ، فكيف إذا صدر هذا البيان عن نقابة أئمّة، مهمتّها الاساسيّة بعد الدّفاع عن مصالح منظوريها ومشاغل القطاع، تنمية الجوانب الرّوحيّة للمجتمع ورعاية الشّعائر الدّينيّة وتخليصها من شوائبها؟! أليسوا أئمّة وذلك واجبهم؟ وإن كان هذا لا يلغي حقّ كلّ مواطن أن يكون له رأي في الشّأن العامّ.
ربٍما كان من الأجدر بهم لو وجّهوا دعوة إلى التّخفيف من تكلفة فريضة الحجّ من أجل تيسير أدائها على النّاس أليسوا أئمّة، يقتدي بهم في في التّمسّك بشائعر الدّين والمحافظة عليها ؟وكان بالإمكان تفهّم دعوتهم لو توجّهت إلى الأثرياء من أجل الإكتفاء بالحجّ والعمرة مرّة واحدة، بدل اللّجوء إلى أسلوب المنع ومصادرة حقوق الأفراد وحرّياتهم الشّخصّيّة وتغليف ذلك بالدّين والظّروف الإجتماعيّة والإقتصاديّة الصّعبة.
ثمّ ماذا عن مئات الأشخاص وربّما الآلاف الذين يسافرون على مدار العام للدّراسة وحضور المنتديات الإقتصاديّة والعلمية والمشاركات الرّياضيّة ،فهل ستمنعهم الدّولة من السّفر بنفس الذّريعة؟
هذه الدّعوة، تذكّرنا بدعوات أصحاب "القلوب الرّحيمة" الذين لا يتذكّرون احتياجات الفقراء وواجب التّصدّق عليهم ولا يتذكّرون المشاريع الإقتصاديّة والبني التّحتيّة المهترئة ولا تفيض عليهم مشاعر الرّحمة و الوطنيّة إلّا عندما يتعلّق الأمر بشعائر الدّين،عند هؤلاء ثمن الأضاحي وتكلفة شعائر الحجّ، الفقراء والمشاريع أولي بها!! ولا يذكرون، كم ينفق النّاس على الخمور والمخدّات المتلفة للمال و الصّحّة و الإستقرار الأسرى. هذه المسائل إن غابت عن البعض ، فما كان ينبغي أن تغيب عن الأئمّة وهم معنيّون أكثر من غيرهم بتخليص الأفراد والمجتمع من ظواهر الإنحراف.