عريضة اساتذة القانون في كليات الحقوق التونسية هزيمة أخلاقية وسياسية أخرى لانقلاب 25 جويلية وانتصار اخر للحركة الديمقراطية وأسراها المعتقلين بعد انحراف سلطة الامر الواقع منذ أشهر اربعة بالمنازلة السياسية بين الانقلاب والديمقراطية الى الاستقواء بالأجهزة والقوة العارية للدولة لفرض عدم التكافؤ وضرب توازن القوة الذي فرضته الحركة الديمقراطية بالصراع السياسي السلمي على امتداد عام ونصف بقيادة مواطنون ضد الانقلاب ثم جبهة الخلاص فوق الارض وتحت الشمس .
لقد فرضت الحركة الديمقراطية - عبر الصراع الديمقراطي بالشوارع والخطابات المتقابلة وبوسائل المنازلة السلمية ورغم غدر المجتمع المدني والهيئات الحقوقية - على مسار 25 هزيمة مدوية في مزاعم التفويض الشعبي والتعبير عن الارادة الشعبية .
فقد كشفت المشاركة الضعيفة في الانتخابات التشريعية المزعومة فضلا عن الاستشارة والاستفتاء ان اغلاق قوس الربيع التونسي والاجهاز على الانتقال الديمقراطي واسقاط دستور الثورة ليس مطلبا شعبيا بل هو مجرد ارادة سلطة فردية مدعومة بالقوة الصلبة للدولة .
وبعد ان تمكنت الحركة الديمقراطية بقيادة مواطنون ثم الجبهة من تأكيد عنوان الصراع الرئيسي انقلاب / ديمقراطية وبداية المرور من استكمال الشرط الميداني (انتصارنا في معركة الشوارع المتقابلة) الى اعداد الشرط السياسي(تشكل العنوان السياسي : الجبهة وبداية صياغة خارطة الطريق الوطنية لاستعادة المسار الديمقراطي )، وبعد استحكام العزلة الداخلية والخارجية للسلطة وبعد بداية التأكد شعبيا من فشلها الاقتصادي والاجتماعي( الازمة المالية ..الاسعار ..ندرة المواد ..ضغط الجهات المانحة وتآكل السيادة الوطنية ) وبعد تأكد ضرورة جنوح السلطة الى مطالب الحركة الديمقراطية ..
عندها مرت هذه السلطة مرة اخرى بعناد غريب الى سردية " التآمر على امن الدولة " واستعمال قانون الارهاب وقوة الدولة العارية لضرب القاعدة التنظيمية واللوجيستية للحركة الديمقراطية باستهداف الحزب الرئيسي فيها ( النهضة ) في قياداته ومقراته ومحاصرة مقر حزب تونس الارادة (الذي وضعه على ذمة مناهضة الانقلاب منذ انطلاق ملحمة مقاومته ) بعد ان تم اولا سجن قيادات الجبهة ( شيماء ..جوهر ..رضا ) واعتقال القيادات الديمقراطية الصديقة الملتحقة بشارعنا الديمقراطي لرأب الصدع بين الجناحين التاريخيين للحركة السياسية التونسية المناضلة .
لقد كان ذلك انحرافا غير فروسي ولاأخلاقيا ( بالمعنى السياسي للكلمة ) لتحويل المعركة السياسية وتغيير توازنات القوة فيها باستعمال الاجهزة وقوانين الاستثناء وهو بطبيعة الحال عنوان هزيمة لا انتصار في معركة اي سلطة مع خصومها وهو امعان في ازمة سلطة تعاني اصليا من ازمة شرعية فضلا عن كون هذا الانحراف مثل ضربا لقواعد اللعبة على مرأى ومسمع من المنتظم الحقوقي المحلي والدولي والذي اضطر اخيرا الى النطق والانحياز لحركتنا الديمقراطية .
وتأتي عريضة اساتذة الحقوق لتمنح حركتنا الديمقراطية وشارعنا الوطني الحر انتصارا كبيرا اخر في مواجهة سلطة القوة العارية .
ان عريضة يمضي عليها علماء ومراجع القانون في الجامعة التونسية بكل اطيافهم ومدارسهم بلا استثناء ليعلنوا مساندتهم لكل المعتقلين السياسيين بلا تمييز وليؤكدوا على قرينة البراءة باعتبارها الاساس العلمي لكل اجتماع انساني وعمران بشري وعدالة كونية هو انتصار عظيم سياسيا واخلاقيا ولم يبق امام السلطة الان الا اطلاق سراح اسرى الحركة الديمقراطية ليعود الصراع السياسي الى قواعد اشتباكه الاخلاقية بعيدا عن العنف الطبيعي لسلطات ماقبل الدولة وما دون الحالة المدنية ….
وما على الحركة الديمقراطية الا ان تضع سريعا مقترحها السياسي لحل الازمة التونسية اذ تم بوضوح حسم القوس الحقوقي الذي ارادت السلطة ان تحصر الحركة السياسية فيه ولابد الان من العودة الى العمل السياسي والكف عن التخبط في المربع الحقوقي الذي تكفل به اهله الان من اساتذة حقوق ومحامين .