قد لا تكون الدلاعة الأولى التي رأيتها في منزلنا، وأنا في سِنِي عمري الأولى، ولكنها الأولى التي عرفت من خلالها طعم الدلاع. لم أكن وقتها أعرف الأوزان ولكن الأكيد أن وزنها لم يكن يتجاوز ثلاثة أو أربعة كيلوغرامات على الأقصى، كانت في حجم بطيخة تقريبا، وكانت في شكل أقرب إلى التمدد منها إلى الكروية، أما لونها فكانت مخططة طوليا باللون الأخضر الغامق والفاتح.
بعد أن شقها سيدي بالسكين تفتحت عن كتلة بيضاء تشوبها بعض الحُمرة الخفيفة، وكانت أغلب بذورها بيضاء اللون، لم تكن أمامي دلاعة نموذجية حتى أعرف أنها لم تبلغ النضج، أو أنها لا تؤكل، أو لا تؤكل بِنَهَمٍ أيضا، وأكلتُ منها، كان طعمُها يميل إلى الحموضة، أو قريبا منها. إلا أن أمي وصفتها قبل أن تتذوقها بالمِجِّيغَة. وقد فهمتتُ فيما بعد أن سيدي -رحمه الله- كان مضطرا إلى قطفها حتى لا يقفز بها أحد من المارّة، دون استئذان.
كانت لنا في جر الجرسين الشرقي غويبة صغيرة اسمها "الحْرِيث"، بها بعض نخلات من الشكان، وكان سيدي مهتما بها، إذ كان يحيطها بسياج من جريد النخل، وكان يحرص على أن يزرع فيها ما توفره له أمي من بذور الفلفل، والدلاع والبطيخ واليقطين. وكنت في تلك السن أفرق بين أنواع تلك "الفلاحة"، من خلال ورقها، وأزهارها، وكانت الأحبّ إلى نفسي ونظري "فلاحة" البطيخ وأنا أبحث تحتها لعلها تعترضني ثمرة تؤكل حتى ولو كانت صغيرة، ولذلك فثمارها لا تصل أبدا إلى منتهاها فلا تؤكل بطيخا.
كانت تلك أواخر علاقتي مع "الفلاحة"، وأما الدلاع فقد قاطعته منذ سنوات عديدة وعديدة، وذهبَت معه رغبتي في البطيخ، حتى وإن كانا في لون مثير، وطعم عسليّ، فإنهما من دون ثمار الأرض يخلّفان في حلقي ما يثير الغثيان والقرف،
نعم، لعله طعم الكيمياويات. ولذلك فإن وجودهما مثل عدمهما عندي، وفي قناعتي أن من أكل من مِجِّيغ الحْرِيث الذي لم ينضج أبدا، ومن نزع بيديه فقوس الحْرِيث وفي طرفه بقايا أزهاره، لا يستلذ غيره من البطيخ أو الدلاع. لمجِّيغ الحْرِيث أفضل من دلّاع الدنيا