الأمن الموازي الذي اعتدى واحتجز أناسا على خلفية لونهم بصفاقس، هو المعين الذي ستتشكل منه ميليشيات لتتبع المعارضين وهي الأرضية نفسها التي هيأها النظام النوفمبري لاستبعاد معارضيه الراديكالين، حتى غدت ثقافة تتبناها النخبة السياسية وحتى الثقافية بما فيها المعارضة،
ومن علامات ذلك الشماتة في المساجين والمقهورين والمظلوم وحتى الموتى. ها هي تصطبغ اليوم بطابع عنصري بغيض، في ردة عن مكاسب كانت بلادنا سباقة إليها، فإذا بها اليوم تكاد تنفرد في العالم بمستوى بدائي من العنصرية المدنية على لون البشرة.
إن ما حدث في صفاقس، زيادة على أنه يؤشر على غياب الدولة، فهو نتيجة حتمية لخطاب عنصري استهدف تقويض الإرث الحضاري التاريخي لبلادنا. إنه عار بما تحمله الكلمة من شحنة، يسجل في التاريخ فعلا لا مجرد قول أجوف.
والمشكل أن ما يقع في تونس للأفارقة جنوب الصحراء، نموذج تقدمه بلادنا لأوربا ليفعلوا الشيء نفسه مع ابنائنا الذين يحرقون إليها، هؤلاء وأولئك جميعهم مهاجرون غير نظامين. أم أننا نراهن على أن أوربا أكثر تحضرا منا وأنها -خلافا لنا- تراعي حقوق الإنسان في تعاملها مع من يصلها من المهاجرين غير النظاميين من تونس؟
مع ذلك، فما وقع عندنا هو بمثابة ترخيص منا للحكومات اليمينية في أوربا لتقوم بالشيء نفسه مع الأفارقة بمن فيهم التونسيين، وبكل راحة ضمير أيضا، مادام أفارقة يعاملون أفارقة آخرين بما تحت المعاملة الإنسانية.