مقولاتٌ "خاطئة"، قالها السياسيون وروّج لها المستفيدون منها وتبنّاها الكثيرون عن مضض الى غاية تجنّب التعبير عن مضادّاتها، ولذلك اعتبرُها شخصيا معلّقة الى انْ تُثبت علميا صحّتها والتي من بينها: "المجتمع التونسي متجانس، والدليل على ذلك انه لا يتضمن قبائل ولا طوائف ولا مذاهب، اذ مذهبه الوحيد هو سني مالكي".
قد يكون هناك تجانس سياسي، لأنه ليس هناك تفاوت في برامج الاحزاب السياسية حتى وان اعلن بعضها مرجعيته الايديولوجية. وفي كل الحالات تبقى مقولة "التجانس الاجتماعي" مجانبة للصواب لان عدم وجود الطوائف والمذاهب الدينية انما هي عوامل قد تساهم في التجانس الاجتماعي بشكل طفيف، لكن لا نرى تأثيرا لها في الحياة اليومية للتونسي، لا في سلوكه اليومي ولا في مواقفه في الفضاء العام. وفي نفس الوقت ثمّةَ عوامل اخرى قابلة ان تكون سببا في تفكيك المجتمع، او الاسراع في تغيير بنيته، وتعميق الازمة التي يعيشها حاليا في العجز في ادارة القطيعة بين الاجيال وضمن الجيل الواحد.
فلننظر الى جرعة الكراهية التي يعبر عنها الفرد تجاه بعض الاحداث الفنية او السياسية او الرياضية، ولننظر الى منسوب العنف بين الازواج في قضايا الطلاق المنشورة (اعود الى الموضوع لاحقا حيث سابين ان نسبة الطلاق المُعلن قد تكون اقل من نسبة الطلاق الفعلي) حيث الاسباب المعلنة تعزز هذه القطيعة، ولننظر الى التحولات الحاصلة حاليا في نوعية العلاقات بين افراد العائلة الواحدة (اعود الى الموضوع لاحقا) فضلا عن طريقة ادارة الخلافات وادارة سوء التفاهمات في المجتمع، والتي سببها -على الاقل- التحولات الحاصلة حاليا في المرجعيات الثقافية والاخلاقية المتعددة. وهذا التعدد في المرجعيات ليس اثراءً، انما هو من اعراض الازمة الاجتماعية.
هذا، وقد تُدحض اطروحة "المجتمع التونسي متجانس" بهيمنة آثار الاقتصاد العالمي وافرازاته الاجتماعية المتعددة، ولكن كذلك بسطحية المادة التربوية التي لم تتوصل الى يومنا هذا الى بناء شخصية حُددت معالمها من قبل.
فغابت مهمّةً التربية لدى المدرّس، وغاب هدف التعلّم وحب العلم واحترام العلماء لدى المتعلم، واتجه الاب (لا اعمم) نحو دور المموّل لحاجيات ابنائه المادية، وقبعت الام (لا اعمم) الى حد الان في موقع الكائن المُستغَل في الارياف والمناطق النائية والخاضع لرؤية مجتمعها المضيق، او في موقع المطالب "بحرية المراة" اذا كانت في المناطق الحضرية دون تحديد معالمها (اي الحرية) لا في ذهن زوجها ولا في ذهنها ولا في ذهن من نظّر اليها، فهي في منزلة بين المنزلتين: امّ ومدرّسة وطباخة وناشطة في الفضاء العام ومديرة اعمال وعاطلة عن العمل. مما قد ينبئ بصعود جيل مختلف، قادر على التاقلم مع مستحدثات زمانه ولكن في نفس الوقت فرداني، منزو، مؤهل لكل الانتماءات، غير مكترث بالمشترك الاجتماعي.