ساعة كنت طفلا في الابتدائي منذ عقود مضت، كنا نقول "فلان ولد المعلم" (كان المعلم عنوانا للنجاح الاجتماعي وعنوانا للمقاومة في معركة الجهاد الأكبر) وكان المعلم قدوتنا وكان المعلم فعلا رسولا بتضحياته وعطائه اللامحدود. كان الواحد منا يسلمه والده إلى سيدي المعلم قائلا "حاسبني بجلده" ثقة مطلقة في المعلم المربي....(أحب كل معلمي مدرسة المزارة، لكني لن أنسى سي أحمد كركوب رحمه الله ولن أنسي سي علي حجلاوي وسي الأزهر بوعزيزي حفظهما الله ).
نجحت بتميز في مناظرة السيزيام وانتقلت إلى المعهد الثانوي الـ lycée mixte وما أدراك قلعة التربية والتعليم والنضال، حيث كان أفضل أساتذتنا اقتدارا هم الآن نفسه أشرس المناضلين النقابيين، كبرنا بين أيديهم… كان الاستقطاب الأيديولوجي على أشده، لكنهم ما حاولوا ابتزازنا، فقط انشغلوا ببناء العقل النقدي فينا وترك حرية التأدلج مفتوحة…
حتى كانت تسعينات القرن الماضي، عشرية الاطاحة برمزية المربي (اصلاحات الشرفي /بنعلي: تجريد الأستاذ والمعلم من مهمة المربي واستبقائه مجرد مدرس وكأنه طاعون يتوجب حماية التلميذ منه ). وكانت كذلك عشرية تصفية منوال تنموي اجتماعيّ في حدود كبيرة لتنهار بموجب ذلك منزلة المعلم والأستاذ في ظل خيارات اقتصادية جديدة تقوم على المظاهر والاستهلاك والفخفخة ليصبح السمسار هو عنوان النجاح ويطرح السؤال الوجودي على المجتمع، هل يصمد أم ينهار المربي؟
وضخت جامعة الشرفي/بنعلي أجيالا من الخريجين غير المسيسين (بعد تجريم الحركة الطلابية وتعويضها بحفلات الـ ڨالا كل نهاية أسبوع ) فغرقت المدارس والمعاهد بأجيال لا تخجل من التدريس الخصوصي الموازي للحاق بعناوين النجاح الجدد حيث الفخفخة. وعزز النقابات مؤدلجون فاشيون وأصبحت النقابات ملاذا للتعساء والفاشلين وكرت سبحة الخراب!!!.
معركة المربين اليوم معركة نبيلة بواجهات نقابجية قذرة يناشدون انقلابا داس كل شيء ويزعمون الدفاع عن مصالح منظوريهم. طابخ السم شاربه يا مخربين. لقد خذلتم المربين ساعة خذلتم أشواق شعبكم في التدبير الديمقراطي وصفقتم للدبابة وهاهي تدوسكم كذبابة.
عساها محنة استعادة المربين قرارهم وكنس الشعبويين من صفوفهم. اعادني أركان لعالم المدرسة، والله العظيم رأيت مربين في حجم رسل وإن كانوا أقلية صامدة.