مرت سنتان منذ استيلاء رئيس الجمهورية على كل السلطات وايقاف المسار الديمقراطي والغاء دستور 2014 بمساندة واضحة من أجهزة الدولة وقبول ضمني او علني من أغلب مكونات المشهد السياسي والمنظمات الأهم للمجتمع المدني وعلى راسها اتحاد الشغالين ورابطة حقوق الانسان ونقابات الاعراف والمحامين والصحفيين وسائر مربعات النفوذ المادي والرمزي من اصحاب المال وصانعي الرأي والاكاديميا في ظل صمت شعبي عام .
لم يكن من العسير ونحن نتابع من اعتبروا استيلاء الرئيس على السلطات انقلابا لنكتشف انهم يمثلون بكل وضوح مكونات المعارضة التقليدية التي واجهت النظام النوفمبري في العشرية الاولى من الالفينات وبقطع النظر عن تموقع هؤلاء على امتداد العشرية في الحكم والمعارضة فقد كان واضحا ان تراث الحركة الديمقراطية الوطنية لم يذهب سدى وان زعماء المعارضة المبدئية لبن علي من المرزوقي والشابي الى الغنوشي وحمة الهمامي قد اجتمعوا موضوعيا على نصرة عشرية الانتقال وربيع الديمقراطية .
ولم يكن من الصعب ان نكتشف ايضا ان من ساندوا 25 جويلية بكل النبرات القوية والمنخفضة هم مجموع القوى الوظيفية تقليديا التي تنحاز باستمرار لعودة القديم التسلطي او المتضررين من المسار الديمقراطي انتخابيا او الذين توهموا امكانية تجيير الانقلاب لمصلحتهم عبر الشراكة مع قيس سعيد ثم افتكاك الحكم منه وكل ذلك عبر تسويغ مساندة 25 تحت دعاوى تصحيح المسار او الاعتراض على حكم " الاخوان " والتخلص مما وصفوه بالعشرية السوداء.
بناء على هذا يمكن القول دون مواربة ان سنتين من عمر الانقلاب رسخت حقيقة الفرز والاستقطاب داخل الطبقة السياسية والمدنية وداخل النخبة التونسية وهو ان الاختلاف بالأساس هو حول الديمقراطية بقطع النظر عن الاقنعة الايديولوجية وقد فرضت الحركة الديمقراطية الوطنية على امتداد سنتين معركة انقلاب / ديمقراطية رغم كل محاولات تزييف الصراع ونقله الى مستويات ايديولوجية او شعبوية كما ارادت ذلك القوى الوظيفية .
لكن وبالتقدير الاحصائي يجب الاعتراف ان اكبر الخيبات والفضيحة الفكرية ان الغلبة بالمعنى الرمزي للكلمة كانت لقوة رفض الديمقراطية : لم يتوقع أحد ان تنحاز الدولة ومؤسساتها بعد عشر سنوات من الانتقال الى مسار وأد الديمقراطية وحكم المؤسسات ولم يتوقع ايضا أحد ان ينحاز مشهد سياسي ومنظماتي وملأ اكاديمي واعلامي وثقافي في غالبيته الى خيار نحر الديمقراطية ومدح الفردانية وتبريرها من قوى وشخصيات زعمت على امتداد عقود انها تنتمي الى مدرسة " الحداثة " وقيم " التنوير" .
اننا يجب اليوم ان نقف على ابعاد هذه الفضيحة الفكرية والسياسية وفهم اسبابها وتلك مهمة معرفية بالأساس.