المأزق الاقتصادي واختلال التوازنات المالية وعطالة خدمات الدولة وتعثرها في توفير المواد الاساسية لحياة المواطنين هي حقائق عنيدة لا يملك أحد انكارها .
في المقابل يبدو الانقسام داخل المحمولين على السلطة والمنتصرين لخياراتها السياسية اكثر وضوحا وحدة من الانقسام داخل معارضيها . ضمن هذا الانقسام تتنزل مظاهر تصفية الحساب بين الفرقاء والاجنحة وحتى مظاهر العطالة في عدد من خدمات المرفق العام .
شعبيا هناك حالة من اللامبالاة او الانشغال بالحلول الفردية لكن الضيق والقلق الصامت واضحان في امزجة الناس وردود افعالهم .
التدخلات الاقليمية والدولية في الشأن التونسي لم تعد خافية في وضع ضمور السيادة وضعف استقلال القرار الوطني وسط اقليم ساخن ومنطقة صاخبة وعالم متحول .
السلطة في كل الاحوال لا تملك حاليا أكثر من صراعات صامتة نراها علنا بين اصحاب المواقع والنفوذ في حين يمعن الرئيس في تأكيد وجود " المؤامرة على البلاد " من قوى داخلية وخارجية ويحرص على محاصرة جميع التيارات السياسية ونشطاء الساحة لصنع الفراغ مع اعلان خطاب القطيعة مع العهود الثلاثة السابقة ( البورقيبية والنوفمبرية والعشرية ) وانفاذ قرارات المسار " بجرة قول " في كل القضايا من وضعية الفارينة والمخابز والادارة الى وضعية الشهادات و التعليم والذكاء الاصطناعي .
سيكون من قبيل الانكار اذا لم نعترف رغم ذلك ان وضع الشلل الذي يعانيه المجتمع المدني والسياسي ، امام هذا الواقع السريالي، هو شلل يقارب الخيال حيث تلاشت في أشهر كل القوة الكذابة التي كان يمثلها ذلك الصخب والضجيج الذين كانت تحدثهما منظمات واحزاب الطبقتين السياسية والمدنية .
هذه البلاد تجسد حقا اغرب الوضعيات التي لم يتخيلها اكثر كتاب القصص السياسية خيالا وعجائبية …