فكرة الأقاليم التنموية هي فكرة كانت مطروحة في اطار التأسيس الثاني الذي انطلق مع الثورة وتحرك دستور 2014 بروح هذه الفكرة في بابه السابع تجاوزا لمركزية دولة الاستقلال" الوطنية" التي ظلت "مركزية جهوية طبقية" بمعنى انها تحولت الى مجرد " نظام " لدولة لا تغطي تنمويا كل المجال الوطني ومنتجة بشكل مستمر للانقسام الجهوي والطبقي بله الهووي …
كانت الثورة التونسية- بماهي ثورة على غير منوال كما سميناها- محاولة لراب الصدع الاجتماعي والجهوي والطبقي والهووي : الهامش نصب خيامه في المركز ( القصبة ) مستعيدا درب " البنغذاهمية المغدورة " ( ثورة بن غذاهم ) في اتجاه استكمال البعد " الوطني " للدولة : تشاركية السلطة والثروة وكان مطلب التأسيس بديلا عن مطلب ترقيع دستور 1959 لضمان البناء الوطني الجديد .
لم تكن 14/17 ثورة جياع ...كانت ثورة مواطنية تريد استدراك الجرح الغائر في ذاكرة الهامش : الاستقلال حققته الامة / الشعب عبر التقاسم العادل للدم لكن دولة "الاستقلال" ستصبح باطراد دولة الحزب الواحد بالزعيم الواحد المستثمر في الانقسام الجهوي والمنحاز لمدرسة ثقافية واحدة طبع بها البلاد على مقاسه الفكري واقصى تنوعها " الاهلي " ضمن وحدة سميت قومية دون مطابقة الاسم للمسمى فظل الانقسام متعدد الابعاد مسمار عرج في كعب الدولة الوطنية التي ستواجه ازمات انتفاض دوري على امتداد عقود الستينات والسبعينات والثمانينات ليتم تتويجها في الالفينات بثورة الحرية والكرامة تنطلق من الهامش الى المركز. لتوحيد المجال الوطني بأبعاده الاربعة .
وصيغ برنامج 14/17 الضمني ( على الجدران فعلا ...لا وجود للتنظيم القائد ببرنامج علني وهذا جيد) على قاعدة استعادة الوحدة وراب الصدوع الاربعة بين الدولة والمجتمع (سياسيا بالدمقرطة وتوزيع السلطة بالتداول الانتخابي وثقافيا بتثبيت الهوية العربية الاسلامية المفتوحة على الكونية في مواجهة الالحاق وطبقيا بمطلب العدالة في مواجهة الريعية الزبائنية وجهويا بمطلب التنمية ضد التهميش).
تلقفت " النخبة " بماهي " طبقة سياسية ممركزة" (أحزاب/ انتظام تقليدي) الرسالة بشكل غائم وكادت ان تسقط في تسوية مهينة للجديد مع القديم في حكومة الغنوشي 2 لولا صرخة القصبة 2 التي جاءت واضحة : ديغاج يا وحوش ..بن علي فهمنا وانتم ما فهمتوش ( تم اعادة الوعي لاحزاب الجديد حتى تبقى على ايقاع الهامش الثائر لا المركز الالتفافي) .سنعتبر تصويت اكتوبر 2011 انتصارا للهامش السياسي ( احزاب المعارضة الراديكالية لنظام المركز على امتداد العقود السابقة : الجماهير تفوض نخبتها ) .
كان الذهاب الى التأسيس تلقفا مرتبكا لرسالة الهامش الثائر ولكن المجال السياسي سرعان ما استعاد مركزيته ( النخبة الجديدة تغدر بجماهيرها ) لتتحول العشرية من جديد الى صراعات " طبقة سياسية " في المركز برعاية " دولة النظام المركزي المترسكل " والتي اصبحت "عميقة" تلاعب "الجديد" بتياراته المختلفة ضمن سقوف "المنظومة" بما لا يمس هيكليا من " سيستام " مربعات النفوذ التقليدية للدولة العربية ما بعدالكولونيالية والتي ظلت تتلبس حتى بالجديد الثوري لتحوله رغم انفه الى قوى وظيفية متصارعة ضمن سقوفها .وكانت تسويات 2014 بشروط القديم حدثا ضد التاريخ فحملت في احشائها بذور فنائها رغم اهمية الفكرة التسووية .
ضمن زعم استعادة " ضمير " 17 ديسمبر والهامش الثائر في مواجهة 14 جانفي بماهو " مخاتلة " العميقة " للطبقة السياسية المتمركزة " التي خانت هامشها ، جاء 25 جويلية خليطا مخاتلا مرة اخرى لبست فيه " العميقة الممركزة" بإتقان خطاب الفاعل الشعبوي وصورة امين " الثورة المغدورة " وركبت موجة غضب الهامش الثوري من نخبته " الغادرة " به وتم بامتياز توظيف خليط الفاشية والوظيفية والشعبوية لإيقاف "انتقال ديمقراطي" كان سيصبح بفعل المطاولة والصمود صراعا بالصندوق بين القديم والجديد الذي ظل يتعلم الدرس تلو الاخر ليكون هو الاستعادة الفعلية لروح الثورة لولا ان تمت معاجلته بانقلاب سيدعي تصحيح المسار ولكنه يصب في اخر التحليل على رأي المرحوم لينين en dernière analyse في حساب القديم عبر استهداف اهم شروط بناء الجديد الديمقراطي وهو الاسلام السياسي .
تسقط الان فكرة الاقاليم التنموية للأسف رغم قيمتها الفارقة في فخ الغمام الشعبوي لتكون مرة اخرى ضحية التشغيل الوظيفي الذي نوعت القديمة ممارسته منذ 2011. مع كل التيارات والسرديات الكبرى من محافظين وحداثيين ومن ليبيراليين الى يساريين وشعبويين .
وللتحليل بقية / .