تجرأتُ وسألتُ الذكاء الاصطناعي عن كيف هو هذا الذكاء مع الإعـلام. سألت (تشات جي بي تي) تحديدا عن ذلك فكان «منصفا» إلى حد لا بأس به.
عدّد الفوائد كالتالي: أتمتة المضامين، تحليل المعطيات، التحقق من الوقائع، السرعة في الجمع والتصنيف والتحليل، انتاج فيديوهات بسرعة واتقان كسبا للوقت والتكلفة، تحليل ميولات الجمهور المختلفة، المذيعون الروبوت. أما التحديات فذكر منها: ضمان الحياد والمعايير الأخلاقية، التضليل الإعـلامي، فبركة أحداث وتصريحات. هنا مربط الفرس: الإشكالات الأخلاقية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي حرصا على النزاهة الأخلاقية للصحافة لاسيما والموضوع متحرك ولا نعرف بالضبط إلى أين يمكن أن يقود.
هو متحرك فعلا ويطرح بقوة ضرورة التمييز بين استعمالاته المفيدة جدا في العلوم الصحيحة (وخاصة في الطب في تشخيص الأمراض وكتابة التقارير الطبية التي تجمع خلاصة كل الفحوصات…الخ) وبين استعمالاته الملتبسة في العلوم الإنسانية ومن بينها الصحافة.
هذا ما يجري الخوض فيه من فترة ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021 اعتمدت جميع الدول الأعضاء في «اليونسكو» اتفاقية تاريخية تحدد القيم والمبادئ الضامنة لتنمية صحية للذكاء الاصطناعي كإطار أخلاقي عام يمكن أن ينطبق على الإعـلام، رغم أنه مجال يحتاج لأحكام خاصة به. كما أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تبنى في 14 يوليو/تموز الماضي مشروعا دعا المجتمع الدولي إلى «اتخاذ تدابير وقائية ورقابية خاصة بالذكاء الاصطناعي».
وفي عام 2017 طرح منتدى عقده مركز «تاو» للصحافة الرقمية ومعهد «براون» للابتكار الإعـلامي في جامعة كولمبيا الأمريكية مجموعة تساؤلات حول الإعـلام والذكاء الاصطناعي من بينها: كيف يساعد الصحافيين في إعداد التقارير؟ ما هي الأدوار التي قد يحل محلها الذكاء الاصطناعي؟ ما هي بعض مجالات الذكاء الاصطناعي التي لم تستغلها المؤسسات الإخبارية بعد؟ وكان الجواب هو وجود مؤشرات كثيرة تفيد بأنه سيعزز عمل الصحافيين لكنه لن يحل محلّه إذا ما استخدم بشكل صحيح، من ذلك استعماله مثلا في تفريغ المقابلات المسجلة أو غربلة تعليقات الجمهور التي تصل هذه المؤسسات.
«الذكاء الاصطناعي يبهر بقدر ما يثير القلق».. هكذا قال السفير البلجيكي في مجلس حقوق الإنسان مارك بيكستن، داعيا إلى ضرورة «الإشراف البشري» عليه وإلى «مقاربة حذرة» بشأنه، وهو ما قد يتم الخوض فيها أكثر بمناسبة أول قمة عالمية عن الذكاء الاصطناعي تحتضنها بريطانيا قبل نهاية هذا العام.
تشير كل المقالات والبحوث التي تناولت الذكاء الاصطناعي والإعـلام إلى أن من أبرز إيجابياته تحويل النصوص إلى بيانات بمختلف الأشكال، والترجمة الآلية، والدردشة الآلية للرد على استفسارات وتعليق الجمهور، ومعرفة أحوال الطقس وأسعار العملات والذهب في الصحافة الاقتصادية واكتشاف المحتوى المزيف.
أما التحديات فتتمثل بالخصوص في تقليل الاعتماد على بعض الوظائف في المجال الإعـلامي، وإن كان ذلك لا يعني إلغاءها بالضرورة، مع أهمية الإشارة إلى أن هذا الذكاء لا يمكن أن يحل محل الإنسان في إبداء التعاطف الذي يمكن أن يبديه الصحافي عند حدوث كوارث إنسانية رهيبة، كزلزال المغرب أو سيول ليبيا أو قضايا اللجوء وموت المئات في «قوارب الموت» في مياه المتوسط، أو قصص معاناة الفلسطينيين المختلفة مع الاحتلال الإسرائيلي وخاصة النساء والأطفال.
يشير الخبراء كذلك إلى أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى السرد العاطفي لقصص إنسانية قد تكون مؤثرة للغاية أو حتى مأسوية، كما أنه يفتقد القدرة البشرية على التحليل ووضع السياق المناسب للقصص الإخبارية، كالتعاطف مع فلسطين مثلا عبر المظاهرات والتحركات التضامنية المختلفة، مع أن هؤلاء المتظاهرين قد يكونون بعيدين جدا عن الحدث، كما هو الشأن في مظاهرات تخرج في شوارع أندونيسيا مثلا تضامنا مع غزة.
ويضيف هؤلاء أن الذكاء الاصطناعي يفتقد أيضا القدرة على إصدار أحكام وقرارات أخلاقية في المواقف الحساسة، كما أنه عندما ينشئ محتوى خاطئا أو مضللا لا يتحمل مسؤولية أفعاله، وبالتأكيد لا يعتذر مثلما ما يفترض أن يقوم به الإنسان إن أخطأ، كواجب مهني وأخلاقي قبل كل شيء. ولا يغيب عن هؤلاء الخبراء في مقالاتهم عن الموضوع الإشارة إلى أن المذيع الآلي مثلا سيكون عاجزا عن تعويض المذيع الإنسان حيث إنه لا يقرأ لغة جسد الضيف الذي يحاوره، كما أنه لا يمتلك بالضرورة الخلفية السياسية والثقافية التي تسمح له بطرح أسئلة من نوع خاص بعضها محرج أو صعب، كما أنه يفتقر إلى حس العاطفة والفكاهة والإبـداع، كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
وعند تناول أكثر «المخاطر» التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في الحقل الإعـلامي تجمع كل التقارير على أن في صدارتها جميعا يأتي ما يسمى «التزييف العميق» الذي قد يقود إلى التضليل أو حتى الابتزاز والاحتيال، إذ يكفي جمع ما بين خمس عشرة إلى ثلاثين ثانية من الصوت الأصلي لأي كان بنوعية جيدة حتى يمكن صناعة صوت مماثل لشخص ليقول أي كلام لم ينطق به صاحبه أصلا، كأن يصرخ رئيس الحكومة الإسرائيلية ضد الاحتلال!.