"إعلام العار" ، هذا أقل ما يقال فيه. وهو أحق بجائزة نوبل للسلام من الرباعي، فقد كان الأشد في ترذيل الديمقراطية والعبث بالخبر الإعلامي نقلا وتأويلا حين فوّضت الانتخابات من لا يشبه "النمط المجتمعي التونسي"، وتهيئة أسباب الانقلاب عليها.
ويثبت اليوم، بعد إعادة انتشار ضباطه مدعومين بيد عاملة إعلامية رخيصة، أنّه قابل للركوب من الجميع ولكنه ثابت على مهمة واحدة: مواجهة كل قوّة سياسية تؤلف بين الديمقراطية وعناصر الهوية.
يلاحظ هذا بوضوح في موضوع المقاومة وتداعيات طوفان غزّة المذهل. واشتغاله على مهمة واحدة: التغطية على التناقض الصارخ بين الانقلاب على الديمقراطية والانتصار الخطابي للحق الفلسطيني، في موقف سلطة الانقلاب. وذلك بالتركيز على الانسجام بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي. والمرور، في أجواء صاخبة يستدعى إليها "سيد المقاومة" السابق والشهيد صدام حسين" بتسجيلات صوتية مصحوبة بأغان "ثورية" تذكّر بأدبيات "المومانعة" وفسطاطها المناهض للثورة والديمقراطية، إلى سؤال : كيف يمكن الشعب التونسي أن يسند المقاومة عمليا.
وفي سياق الإجابة تأتي مناشدات "الطيبين" بتوحيد الجبهة الوطنية وإطلاق سراح معتقلي الحركة الديمقراطية. وكأن اعتقالهم مقدمة قائمة بذاتها وليس نتيجة من نتائج الانقلاب على الديمقراطية.
وفي هذا السياق نفسه تأتي تلبيسات المؤدلجين وتجار المعنى ومن ساندوا استعادة الديمقراطية على حرف، بتقاطعهم في ما اعتبروه "موقف تونس المشرّف". فليس متيسرا للجميع تمييز المواقف وما يبدو بينها من تباينات دقيقة وفي ظاهرها ثانوية، وهي في حقيقتها فروق جوهرية بين موقف يريد جسر الهوة الفظيعة بين الاستبداد والانتصار الخطابي الحق الفلسطيني، وبين موقف يرى أنّ المساندة الفعلية للحق الفلسطيني لا تنفصل عن مهمة استعادة الديمقراطية المغدورة.
ومن جهة السلطة فإنه لا مصداقية لانتصارها الخطابي للمقاومة إلاّ بوضع حدّ لانقلابها على الديمقراطية ومسار تأسيس الحرية المجهض. ولهذا إجراءات معلومة تبدأ بإطلاق سراح معتقلي الحركة الديمقراطية، وإطلاق حوار وطني على قاعدة استعادة الديمقراطية ومرجعيتها الدستورية. ويكون مدار مخرجاته على إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة تمهد لمرحلة انتقالية تستعيد فيها الدولة توازنها والحياة السياسية استقرارها. وتلك هي الشروط الوحيدة للخروج من الأزمة المركبة.
وعليه تكون الإجابة عن سؤال كيف يساهم الشعب التونسي (هذا الكائن الهلامي المسكين) في دعم المقاومة؟
مساهمة "الشعب التونسي" في إسناد المقاومة تكون باستعادة الديمقراطية وغلق قوس الانقلاب. هذه هي الإجابة الوحيدة التي نراها.
دون هذا لن نخرج عن أجواء حرب الخليج في 90 وركوبها من قبل نظام بن علي وروافده الوظيفية وإعلامه، واتخاذها مقدمة لمرحلة قمع نسقي أنهى وعودا بحياة سياسية ديمقراطية، عشية انقلاب 7 نوفمبر، وعاشت البلاد حصارا لم يرفع إلا بهروب بن علي وانكسار نظامه
مقاومة مواطنة، لا صلح لا مساومة.
المجد للشهداء، والعزّة لغزّة بوابة النصر العظيم و"الهروب الكبير" القادم.