الوحشية التي يتصرف بها الغرب عن طريق ذراعه الصهيونية تقدم صورة عن سلوك الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة عندما تخوض حروبها من أجل الحفاظ على هيمنتها على العالم. النظام العالمي القائم يحتضر وملامح النظام الجديد ستتبلور من خلال صراع وحشي تسقط فيه كل القيم التي برر بها الغرب هيمنته على العالم.
لم يكن وزير الخارجية الإيراني مبالغا عندما قال "إذا لم نواجه ما يجري في غزة فسنضطر غدا للتعامل مع القنابل الفوسفورية فوق مستشفياتنا غدا"، فكل الدول التي تقع ضمن مناطق الصراع حول النفوذ وترفض الخضوع لأمريكا وملحقاتها الأوروبية ستلقى نفس المصير الذي تواجهه غزة اليوم، ولن ينفع أي حديث عن القانون الدولي والقيم الأخلاقية حينها، ولن يلتفت أحد إلى الحقائق الموثقة التي تدحض آلة الدعاية الغربية.
قبل أن نصل إلى المحرقة التي يجري تنفيذها في غزة، كانت الحرب في أوكرانيا قد أظهرت الاستعداد الكامل للغرب لفعل كل شيء من أجل تدمير أي قوة صاعدة قد ترهن حظوظه في إطالة أمد هيمنته على العالم، كما أن التحرش بالصين والسعي إلى احتوائها حتى لو تطلب الأمر الدخول في حرب مدمرة، يظهر نهاية صلاحية القواعد التي قام عليها النظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية سواء تعلق الأمر بقواعد العلاقات الاقتصادية والتجارة الدولية أو ما يتصل بالعلاقات السياسية وقواعدها القانونية.
انتهت صلاحية الأمم المتحدة، وظهر عجز المنظمات المرتبطة بها، ويتصرف الغرب دون أدنى اعتبار للقانون الدولي أو مراعاة لشكلياته، بما يشير إلى حالة متقدمة من التوحش ستتجلى في مناطق أخرى من العالم إلى حين بروز موازين قوى جديدة تفضي إلى نظام عالمي جديد.
من الغباء الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية في غزة، كما سائر المقاومات المختلفة للوحشية الغربية، هي المسؤولة عن الإجرام الصهيوني في غزة، أو ما ترتكبه أمريكا وأتباعها من جرائم في أماكن أخرى من العالم.
لا تستطيع الكيانات التي تحمل صفة الدولة مواجهة هذا الوضع منفردة، ولهذا فإن ما كشفته المقاومة الفلسطينية هو المدى الذي يمكن أن يصل إليه الغرب لتمديد عمر هيمنته على العالم.
ستتحول إبادة الشعب الفلسطيني إلى لحظة تاريخية لميلاد مرجعية أخلاقية جديدة، وقد يعرف العالم أشكالا غير مسبوقة من المقاومة لا قبل للغرب بها.
وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا.