قبل أن يبدأ مجرم الحرب نتنياهو في نسج الأكاذيب وترويجها للتنصل من جريمة قصف المستشفى المعمداني الذي أسفر عن استشهاد أكثر من خمسمائة شخص، كتب الرئيس الأمريكي على تويتر مستعملا كلمة انفجار بما يوحي بأن ما حدث كان من فعل المقاومة الفلسطينية، وعندما ذهب في اليوم التالي إلى تل أبيب أكد موقفه واتهم صراحة المقاومة الفلسطينية بالمسؤولية عن هذه الجريمة.
يعرف العالم كله، ورؤساء أمريكا قبل غيرهم، أن نتنياهو كاذب، ويعرف العالم أيضا أن الطائرات الحربية الصهيونية هي التي قصفت المستشفى، وسمع العالم كله إنذارات جيش القتلة الصهيوني بقصف المستشفيات إن لم يتم إخلاؤها، وقد وثقت منظمة الصحة العالمية 48 عملية قصف للمؤسسات الصحية نجم عنها تضرر ستة مستشفيات، تماما مثلما وثقت منظمة اليونيسيف مقتل نحو ألف طفل فلسطيني في عمليات القصف التي تنفذها الطائرات الحربية لجيش القتلة، ولم يكن ذلك كله ليثير أي تنديد من جانب الولايات المتحدة والدول التابعة لها كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.
لم يحدث أبدا أن شن الكيان المجرم حربا ضد الفلسطينيين والعرب دون ارتكاب جرائم حرب، وقد وثقت الأمم المتحدة هذه الجرائم في تقارير أنجزها محققوها بناء على عمل ميداني دام لشهور طويلة وكان رد الفعل الأمريكي في كل مرة الضغط من أجل سحب تلك التقارير واستعمال حق الفيتو لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن يدين هذه الجرائم المتكررة.
جرائم الحرب هي من الأدوات التي تلجأ إليها الولايات المتحدة لتدمير كل من يقاوم هيمنتها، وهي جزء من إستراتيجية إخضاع الأعداء، وتذكرنا جرائم فيتنام وتدمير ملجأ العامرية في العراق، والمجزرة الكبرى في الفلوجة بسيرة أمريكا ورؤيتها للحرب، وقبل ذلك كله يتذكر العالم، واليابانيون الذين صارت حكومتهم اليوم تابعا ذليلا لأمريكا، كيف تم استعمال القنبلة النووية لإبادة مدينتي هيروشيما وناغازاكي بمن فيهما انتقاما لبيل هاربر وتجربة للسلاح الفتاك على البشر رغم أن الحرب كانت قد انتهت فعليا واستسلام اليابانيين صار مسألة أيام فقط.
قرار الإدارة الأمريكية بحمل وزر الجريمة الصهيونية عن مجرمي الحرب في تل أبيب كان رسالة واضحة للحكومات الغربية ترسم لهم حدود انتقاد إسرائيل وتخبرهم بأن دعم الكيان المجرم في حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني يجب أن تستمر إلى النهاية، وقد استجاب هؤلاء من خلال المواقف اللاأخلاقية التي اتخذها الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني الذين لم يجرؤ أحد منهم على ذكر إسرائيل عند التعليق على هذه الجريمة الصهيونية.
يخبرنا هذا التورط المباشر لإدارة بايدن في حرب الإبادة وتزكية كل الجرائم التي تتخللها عن طبيعة النظام العالمي الذي تريد أمريكا أن تثبته بقوة الحديد والنار، نظام لا يعترف إلا بالقوة ويقوم على إسقاط كل حقوق الشعوب الأخرى بما فيها الحق في الحياة، ويؤكد لنا موقف بايدن أن العالم مقبل على عصر مظلم ستستعمل فيه القوة العظمى وحلفاؤها كل الأساليب الإجرامية لتمديد عمر الهيمنة الأمريكية على العالم.