منذ عام 1967 الى يومنا هذا ، جرت 19 عملية تبادل اسرى مع اسرائيل من قبل دول وتنظيمات فلسطينية ولبنانية ، وبعد فحص لهذه العمليات تبين لي ما يلي:
1- عدد الاسرى العرب الذين افرج عنهم في كل هذه العمليات هو : 21808 واحد وعشرون الف وثمانمائة وثمانية اسرى
2- عدد الاسرى الاسرائيليين: 398
3- نسبة التبادل تشير الى أن الافراج عن اسير اسرائيلي واحد يقابله الافراج عن حوالي 55 اسيرا عربيا، وهذا يعني طبقا لنفس المعادلة انه اذا افترضنا ان لدى المقاومة 150 اسيرا عسكريا اسرائيليا فيجب ان يطلق مقابلهم –استنادا للنمط التاريخي- أكثر من 8 آلاف اسير فلسطيني ، وهو ما يفوق عدد الاسرى الحاليين في سجون اسرائيل، مما يعني ان الاعلان عن عدد الاسرى الاسرائيليين يجب ان لا يتجاوز ما بين 80-85 جنديا وضابطا، واعتبار الباقي مفقودين (على غرار الطيار الاسرائيلي رون اراد الذي فقد في جنوب لبنان عام 1986، واعلنت مؤسسة اسرائيلية اسمها "ابن الحرية" عن مكافأة بقيمة 10 مليين دولار لمن يدل على مكانه)، ويجب ان يكون هناك اعلان من المقاومة عن الاستعداد للبحث عن المفقودين( لديها) مقابل تنازلات اسرائيلية، كما تعلن المقاومة بين الحين والآخر ومن تنظيم لآخر عن العثور على جثة واحد او اثنين او ...الخ، وهو ما يعطي مصداقية لبحث المقاومة عن المفقودين على ان يبقى الثمن كافيا لاستمرار البحث.
وهنا لا بد من ملاحظة، ان الامريكيين خلال الحرب للتخلص من الاستعمار البريطاني عام 1776 ،كانوا يطالبون مقابل كل ضابط عددا اكبر مما يطالبون به مقابل الجندي، اي ان الرتبة يجب ان توضع في الاعتبار في المقايضة التفاوضية .
4- إذا استثنينا حرب اكتوبر وحرب 1967 وحرب 1982( حروب كان الدور المركزي فيها لدول عربية) فان أغلب الاسرى الاسرائيليين المتبقين هم " جثث وصل عددها الى "309 " اسرى أموات وهو ما يعني ان اطلاق 89 اسيرا اسرائيليا حيا كان ثمنا لإطلاق سراح 3308 أسيرا عربيا، ويكفي التذكير بالحالات التالية:
أ- ما سُمي باتفاق جبريل( الجبهة الشعبية-القيادة العامة) والتي تمت مبادلة 3 اسرى اسرائيليين مقابل 1150 اسيرا فلسطينيا.
ب- صفقة جلعاد شاليط : اطلاق سراحه وحده مقابل 1027 منهم 454 مقاتل فلسطيني.(80% منهم عادوا للقتال) طبقا لتقرير من الموساد اشارت له دراسة اكاديمية اعدها شيلي افيف ييني( Shelly Aviv Yeini) عام 2018 ونشرها في مجلة القانون في جامعة بنسلفانيا.
ت- صفقة الحنان تينيباوم (ضابط الاستخبارات الاسرائيلية الذي استدرجه حزب الله الى بيروت ) تمت مقابل هذا الضابط مبادلته ب 435 اسيرا عربيا،و الدراسة السابقة ايضا تشير الى ان الذين افرج عنهم في هذه الصفقة عادوا للعمل المقاوم وتسببوا في مقتل 231 اسرائيلي خلال معارك شاركوا فيها ضد الجيش الاسرائيلي.
ماذا يعني ذلك :
1- ان الفرق بين تبادل الجثة وبين تبادل الأحياء من الاسرى ليس ذو دلالة احصائية في التبادل مع تنظيمات المقاومة ، وعليه فان تمويه قتل الاسرى لن يضعف اوراق القوة التفاوضية للمقاومة، سواء بالقتل الفعلي غير المعلن او بوضعهم في اماكن يستهدفها الجيش الاسرائيلي والاعلان عن موتهم(كما جرى مع ال 22 المعلن عنهم) ، ويكفي التدليل على ذلك بالمثال التالي: في 1991 تم تبادل جثة جندي اسرائيلي بواحد وخمسين اسير لحزب الله-
2- ان عودة الجندي الحي يقلل من رعب الجندي الطليق لانه يشعر انه لو تم اسره ستتم مقايضته، لكن عودة الجثة ستترك اثرا اعمق من ذلك عليه.
3- ان عودة الاسير الحي يثير البهجة ، ويبدو الامر كانتصار للطرف الاسرائيلي، لكن عودته في الكفن سيحرم هذا المجتمع هذه البهجة.
آليات التفاوض: على الطرف المقاوم ان يضع في اعتباره خلال التفاوض ما يلي:
1- يجب البدء بالتفاوض من قائمة أعلى وأطول ، اي وضع اكبر عدد من المطالب على طاولة التفاوض ، لا من اجل تحقيق نتائج ميدانية فورية بل من اجل الظهور امام العالم بمظهر من يقدم تنازلات عن القائمة الطويلة في مرحلة لاحقة ، لا ان نبدا من عدد قليل من المطالب ونبدو عند التشبث بها امام العالم والوسيط العربي او الدولي بأننا متعنتون.
2- فصل الاسير الاسرائيلي المدني عن الاسير العسكري، واعتبار مقايضة المدنيين مرتبط فقط باهداف مدنية ، مثل فتح المعابر بشكل دائم ، السماح بدخول المساعدات المختلفة من دواء وغذاء وكهرباء ، بينما الاسير العسكري يربط بأبعاد عسكرية.
3- تعهد اسرائيلي بعدم العودة لقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة الاسلامية والمسيحية.
4- يجب ان لا تشارك سلطة التنسيق الامني الفلسطينية في اي تفاوض في هذا الشأن،وحرمانها من اية معلومات مهما كانت في هذا الخصوص.
5- الحذر التام من خفايا الدور القطري والمصري الرسمي ، والحذر لا يعني عدم التعامل بل ان يبقى المفاوض الفلسطيني مسلحا " بعدم الاطمئنان"، فالنظام الرسمي العربي قلوبهم مع علي وسيوفهم مع معاوية.
6- اما الاسرى العسكريون الاسرائيليون ، فهم عدد غير قليل ، لذا يجب ان يكون "تبييض السجون " هو الاساس مع التشبث بان الاسرى المدنيين يقابلهم شروط مدنية بينما الاسرى من العسكريين يقابلهم مطالب عسكرية وأمنية، وهنا لا بد من التأكيد على :
أ- ان يبقى في وعي ولاوعي المفاوض الفلسطيني ان "ان وزن الميت والحي من أسراهم " هو ذاته عند المجتمع الاسرائيلي بخاصة ان اسرائيل لا تعرف من منهم الميت ومن الحي.
ب- ان أية معلومة تقدم للوسيط او المفاوض الاسرائيلي يجب ان تكون بثمن وابتزاز ، ففي صفقة شاليط تم الافراج عن عشرين سيدة فلسطينية معتقلة مقابل تقديم اشارات على انه حي، وهو ما يستوجب على المفاوض الفلسطيني ان لا يقدم اي معلومة عن اي اسير الا بثمن، ولا يقدم معلومات جماعية ،بل يجزئ المعلومات عن كل فرد اسير ويحاول الحصول على مكاسب مقابل اي معلومة عن اي اسير.
ت- أن لا يكون فريق التفاوض الفلسطيني فريقا واحدا(الا في الغرف المغلقة بين التنظيمات)، والدافع لذلك لتجنب بعض التنظيمات الضغط عليها للافراج عن كل الاسرى ،والتذرع باننا نستطيع اطلاق سراح اسرانا، لكن التنظيم الآخر متشبث بموقفه، وهنا لا يلام التنظيم الرئيسي لانه غير متحكم في وضع كل الاسرى، ويجب استغلال ذلك بتنسيق بين التنظيمات.
ث- ان التفاوض قد يمتد لسنوات، فصفقة شاليط امتدت لاكثر من خمس سنوات، ولكن طول المدة سيزيد من الضغط على الحكومة الاسرائيلية،وعليه لا يجب ان يبدو المفاوض الفلسطيني متلهفا على التبادل السريع باي ثمن كان، بخاصة ان قدرة المجتمع الفلسطيني على تحمل معاناة اسراه اعلى من قدرة المجتمع الاسرائيلي بشكل أكيد، وهو ما يدركه قادة اسرائيل وخبراؤها.
ج- يجب مقاومة ما سبق وان فعلته اسرائيل بالتفاوض على ابعاد الاسرى الفلسطينيين الى غير مناطقهم (اي من كان من غزة يرسلونه للضفة والعكس، او يرسل الى دولة عربية او الى الخارج..)كما جرى في صفقة شاليط، فهذا يجب ان يقابله مطلب فلسطيني- اذا طرحته اسرائيل كما جرى فى صفقة شاليط- تقاومه اولا ثم يمكن ان تقبل بأن لا تزيد مدة الابعاد للاسير الفلسطيني عن فترة قصيرة يتم تقديرها بشكل دقيق، ثم يسمح له بالعودة ، على ان يكون التعهد الاسرائيلي علني ومدون في وثائق الامم المتحدة.
ح- يجب ان يراهن المفاوض الفلسطيني على زيادة الضغط على الجبهة الداخلية الاسرائيلية بخاصة من خلال عائلات الاسرى الاسرائيليين، فحركة الامهات الأربع خلال احتلاهم لجنوب لبنان كانت حركة مؤثرة، ثم ان هناك خلافات داخلية في اسرائيل حول مسألة الاسرى يجب استثمارها ، ويظهر ذلك في الشواهد التالية:
1- الخلاف حول النصوص الدينية اليهودية بخصوص الاسرى: فالهالاخا(Halacha) (الشريعة اليهودية) المستمدة من النصوص التلمودية امر لا ينظر له العلمانيون اليهود بالتوقير الكافي، بخاصة ان الإدارات القضائية الاسرائيلية كثيرا ما استندت للنصوص التوراتية في تبرير عدم تكافؤ اعداد الرهائن بين اسرائيل والعرب.، حيث يرى العلمانيون ان عدم التناسب يحرض على المزيد من عمليات الخطف والاسر من جانب الطرف الآخر، بينما يصر المتشددون من المتدينين على التناسب واحد مقابل واحد أو اكثر قليلا جدا، وهذا تباين يجب على المفاوض الفلسطيني استثماره.
2- في عام 2010، بحثت لجنة شامغار(Shamgar) الاسرائيلية شروط تبادل الاسرى، لكن الخلافات داخل اللجنة حالت دون تحول قراراتها الى قوانين بخاصة حول نقطتين هما التناسب في عدد الاسرى بين الطرفين من ناحية وزيادة التضييق في الاوضاع الانسانية على السجناء الفلسطينيين من ناحية ثانية، وهو شرخ يمكن تعميقه.
3- في عام 2014 تمت مناقشة اقتراحات في اطار القانون الاساسي "بان يتم فرض ظروف اقسى على الاسرى الفلسطينيين ممن تثبت ادانتهم بعمليات قتل".الى جانب "الاحتفاظ بالحق في اعادة اعتقال من يتم الافراج عنه.( وهو ما اطلقوا عليه قانون -بارول Parole Law) ، وهنا يجب الايحاء بامكانية فعل ذلك على الاسرى الاسرائيليين لدى المقاومة.
4- دعوات افيغدور ليبرمان عام 2015 لإعدام المجاهدين من الفلسطينيين ، وتكراره طرج الفكرة في عام 2017 و 2018،لكنها لم تقر بعد . رغم ان استطلاعات الراي الاسرائيلية تشير الى مساندة 53% من الراي العام الاسرائيلي لليبرمان في هذه المسالة، وهو امر يجب التهديد فيه بالمعاملة بالمثل مما يستوجب طرح سحب مشروعات ليبرمان من التداول، واثارة نقاش دولي واسع عليها.
الخلاصة: ان ثقافة شايلوك كما رسمها الاديب الانجليزي شكسبير لا يجوز التعاطي معها " بثقافة حاتم الطائي" ، فالأول هدر دم الرجل المَديْن واراد اخذ كيلو من لحمه اذا عجز عن سداد الدين، فكيف نتعامل معه وقد أخذ وطنا وهدر دم شعب بكامله ، اما حاتم الطائي فكان يُكْرِم دون انتظار اي مكسب ، وهنا ليس مكانه البتة.