انتهت الهدنة في الجنوب، والشمال، دون أن تتوقف الحرب في الضفة الغربية. هكذا تجري الأمور في السجن الفلسطيني منذ أربعينيات القرن الماضي، التعذيب بواسطة القتل العشوائي وتدمير المنازل السكنية. أعلنت إسرائيل في السابع من تشرين الأول، أكتوبر الماضي، الحرب على قطاع غزة عقاباً جماعياً رداً على الانتفاضة المسلحة التي بادرت إليها فصائل العمل الوطني الفلسطيني من اجل التحرير إحتجاجاً على الحصار وعلى المعاملة السيئة في السجون الإسرائيلية وفي معسكرات التجميع ، وعلى العبث بالمقدسات والرموز الوطنية. فقد لا يوجد فلسطيني لم يذق مرارة هذا التعذيب.
أعلنوا إذن الحرب على قطاع غزة لأن فصائل العمل الوطني الفلسطيني المقاوم استطاعت تنفيذ عملية عسكرية حيث تمكنت من أسر عشرات من العسكر والمستوطنين ، قالت أنها مستعدة لإطلاق سراحهم مقابل تحرير السجناء الأسرى الفلسطينيين في أقبية ومعسكرات النازيين الجدد ؟. من الصعب أن تجد سمة تميز هؤلاء عن النازيين في المانيا . يا للأسف، لا توجد قوة في بلداننا تعي جيداً خطورة النازية، كما وعى ذلك الروس بالتجربة، مما حدا بهم في العامين الأخيرين لمقاتلتها في أوكرانيا البلاد المحاذية لهم .
ماذا حقق الإسرائيليون بواسطة الحرب خلال خمس وأربعين يوماً، قبل أن يوافقوا على الهدنة. لم توصلهم أطنان القنابل ومئات الدبابات ، وتحشيد عسكرهم، إلى الأسرى ولم يستطيعوا خنق فصائل التحرير الوطني . أنجزوا ما يتقنون فعله، المذابح والمجازر والتدمير فاضطر الناجون من بطشهم أن يناموا في العراء ، جوعى يقرصهم البرد .
لولا الهدنة لما أطلق سراح الأسرى، على افتراض أنهم أعلنوا الحرب من أجل استرداد الأسرى، وهذا أمر مشكوك فيه . أما فصائل التحرير الوطني، التي نعتوها بالإرهابية، وتبنى هذا النعت حكام الدول الغربية وأجهزتها الإعلامية والدعائية، بما هو حجة تبيح الإبادة الجماعية، فإنها باقية ما بقي الفلسطينيون في السجن تحت قانون الغيتو . فهذا معطى انساني معروف ومثبت ، لا جدال فيه .
لا نجازف بالقول أن ما يجري في قطاع غزة هو في الحقيقة إبادة جماعية، بلون عنصري نازي، ينبني عليه أنه فضيحة لمجتمع المستوطنين في فلسطين، وفضيحة أيضاً وأساساً، للدول الغربية التي تنتج بين الفينة والفينة، نظم حكم نازية، فهي بالقطع لم تشف بعد من التمييز العنصري ومن الميول الغريزية نحو ارتكاب جرائم التصفية العرقية، خذ مثالاً على ذلك في عصرنا هذا، يوغوسلافيا، رواندا ، والآن فلسطين ، وقبلها العراق، ليبيا، وسورية …
مجمل القول أن الحرب التي استمرت في جولتها الأولى خمس وأربعين يوماً، أجبرت على الأرجح، عشرات الآلاف من الفلسطينيين، غير المقاتلين، على النزوح من شمالي القطاع إلى جنوبه، أي انهم ساروا عشرين كلم ² نحو سيناء وفقدوا عشرين ألفا من أبنائهم . اللافت للنظر أن الجولة الثانية بدأت بقصف معبر رفح إلى سيناء . ولكن المقاومين ما يزالون في أغلب الظن في كل مكان من القطاع يحرسونه !