إجازة في القتل!

إذا تفكرنا في حقيقة الحرب على الفلسطينيين، في الراهن وأمس وقبله، لتوصلنا إلى معطى ملموس، ولكننا في ظاهر الأمر لا نجرؤ على النظر إليه والتسليم به والنطق به علانية. فعدونا، في فلسطين وبلاد الشام ومصر، ليس الحركة الصهيونية سواء تمثلت بوجهها "كجماعة تعاونية استعمارية" أو "كجماعة دينية أصولية استئصالية"، وإنما في الواقع هي الدول الغربية المنخرطة في حملات استعمارية توسعية، اتخذت أحياناً شكلاً دينياً وأحياناً أخرى ذرائع عنصرية باسم "رسالة الرجل الأبيض" أو "صراع الحضارات وأحقية الحضارة اليهودية ـ المسيحية في السيادة".

ليس من حاجة الى التوسع في موضوع نشوء الدولة الصهيونية في فلسطين، لكي نشير للدور الأساس للانتداب البريطاني وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، ولوقوف هذه الدول دائماً وراء "إسرائيل" في حروبها المتتالية منذ 1948 وإلى الآن في الحرب على قطاع غزة.

فمن المعروف أن الدول المذكورة استطاعت طوال السنوات الماضية إنكار الحقائق وإخفاءها، وكَيل الاتهامات الباطلة ضد ضحايا مشروعها الصهيوني. نقتضب هنا فنقول أنها تناست المجازر والتهجير والاحتلال في 1947ـ 1948 تمهيداً لإقامة دولة "إسرائيل"، وكذلك قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين بالاختيار بين العودة إلى منازلهم واسترجاع ممتلكاتهم أو قبول التعويض بدلا عنها.

كل هذا لم يعد مطروحاً، بل صار يعتبر أمراً غير جدي بالنسبة للدول الغربية، علماً أنها هي التي صاغته وانتزعت الموافقة عليه. أضف إلى انها تعامت في سنوات 1970ـ 1980 عن "الحروب ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين" التي شنتها "إسرائيل" مباشرة أو بواسطة عملائها، كون هذه المخيمات بؤراً تعشش فيها القضية الوطنية الفلسطينية. ولكن اللافت للنظر، في الراهن هو أن المسرحية ـ المأساة تتكرر من جديد في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، حيث لم تتبدل أهداف السيرورة: مجازر وحشية، وتدمير واسع شامل وتهجير، غير أن مشاهد الجريمة تصلنا الآن، خصوصاً فيما يتعلق بقطاع غزة، على عكس الضفة الغربية، حيث ما تزال القيادة الصهيونية قادرة على فرض التعتيم الإعلامي.

من المحتمل أن تسريب الأخبار عن الأوضاع في قطاع غزة، أحرج بعض قادة الدول الغربية، ولكن مواقفهم لم تلن، بالضد من الناس العاديين الذين بدأوا يخرجون بأعداد أكبر في تظاهرات احتجاجية استنكارا لإهراق الدم الفلسطيني، تحت غطاء الصمت والتواطؤ الرسمي. لا سيما أن حرب التصفية التي يتعرض لها الفلسطينيون تكشف عن معطى آخر لا يمكن التستر عليه، فحواه أن الدول الغربية التابعة للولايات المتحدة الأميركية، أو المنضوية في الحلف الأطلسي، وهي في الواقع مشاركة فعلياً في المشروع الصهيوني في مصر وبلاد الشام والعراق كما ألمحنا، ليس كما تدعي أنها ضد التمييز العنصري وحامية "لحقوق الإنسان" وقائمة "بواجب الدفاع عن الإنسانية"، فلنا في الدولة الصهيونية الدليل والبرهان.

لا نظن أن أحداً يستطيع دحض حقيقة أن "الدولة الإسرائيلية" تتبع سياسة التمييز العنصري، الأبرتهايد. عندما تنعت الناس "بالحيوانات"، وتقرر منع الغذاء والماء ووسائل التدفئة والكهرباء عنهم وتهدم مساكنهم، فإنك تكشف عن نيتك في إبادتهم، فلا فرق بينك وبين الذي طالب بإلقاء قنبلة ذرية على هؤلاء "الحيوانات"، سوى أن الأخير يريد القتل بوتيرة أسرع.

نذكر في هذا السياق، أن محللين نعتوا بالحجة الواهية مزاعم عسكر "إسرائيل" تبريراً لاقتحامهم مستشفيات قطاع غزة بالبحث عن المقاومين، وأنهم يكذبون عندما يقولون أنهم يرمون قذائفهم منذ شهرين ضد أهداف عسكرية، وأنهم لا يتعمدون قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين ، عندما يستخدمون قنابل ثقيلة في تدمير عمارة متعددة الطوابق، بناء على اشتباه في أن مقاوماً تواجد فيها في وقت من الأوقات.

وأخيرا شاهدنا جميعاً مدنيين عراة جالسين على الطريق في صفوف متراصة تحت حراسة جنود "إسرائيليين"، لنتخيل ردة الفعل في دول الغرب، رسمياً وإعلامياً، لو كان هؤلاء المدنيون العراة المهانون "إسرائيليين"!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات