وسط اتهامات صريحة له بالتواطؤ والمشاركة في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني (اتهامات تستمد مصداقيتها من مواقفه المعلنة وما ينقله على لسانه أصدقاؤه الصهاينة وحماته في واشنطن)، وفي ظل وضع اقتصادي منهار يفرض على أكثر من نصف الشعب المصري العيش على خط الفقر، أعلن السيسي بقاءه في الحكم بعد أن منح نفسه نسبة 89.6 بالمائة من الأصوات ( أكثر من 39 مليون صوت حسب الأرقام الرسمية).
السيسي شكر الشعب المصري على "الاصطفاف" ( استعمل هذه المفردة وهي الأقرب إلى طريقة تفكير عسكري يحكم بلدا وكأنه ثكنة) وقد بدت على وجهه علامات الاطمئنان.
هذه هي الصورة الحقيقية للمأساة التي يجب أن ينظر إليها كل من يشعرون بالقهر تحت حكم أنظمة الفساد والاستبداد، فالمحرقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ما كان لها لتحدث لو أن الملايين في مصر وفي هذه الجغرافيا الممتدة من المحيط إلى الخليج منعوا هذه الفواحش من التمدد، وسعوا إلى العيش بكرامة تحت حكم نظيف وكفؤ.
كتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل مرة عن لقاء له مع القذافي وذكر أنه سأله عن حقيقة غضب المصريين من انتقاد السادات وهل يعتبرونه بطلا حتى بعد ذهابه إلى القدس وتوقيعه اتفاقيات كامب ديفيد، فاستفاض هيكل في طريقة تأكيده لهذا الأمر للقذافي الذي كتب عنه باحتقار شديد.
نعم لقد أكد هيكل للقذافي بأن المصريين لا يحبون من ينتقد رئيسهم مهما كانت مواقفه، وهيكل نفسه مثال للمصري والعربي الذي ينخرط في الدفاع عن الحاكم الفاسد المستبد لأن من ينتقده أجنبي، والمقارنة بين ما كتبه هيكل عن السادات في خريف الغضب وما قاله للقذافي تثبت ذلك.
قبل أيام أيضا قرأت لصحافي لبناني يناصر المقاومة نصيحة موجهة لغير المصريين يدعوهم من خلالها إلى تجنب انتقاد الموقف الرسمي المصري مما يجري في غزة لأن المصريين يغضبون لذلك، ومصر هي أكبر بلد عربي لديه حدود مع فلسطين ولا بد من الحفاظ عليها بتجنب إغضاب شعبها!
نكسة 89.6 بالمائة في مصر وفي السياق الذي تأتي فيه هي نعي لشعب بأكمله، وهي نكسة ستتكرر في جميع هذه البلدان الموبوءة بالاستبداد والفساد، والأمل الوحيد لتجاوز حالة الذل هذه هو أن يبلغ القهر مداه فينتفض الناس من أجل كرامتهم.