هو قرار تلفيقي يقول الشيء وضده. فالتعديل الأمريكي الذي يمنع وقف الحرب هو بمثابة ضربة الفرشاة الأخيرة التي يستخدمها الرسام ليكسب لوحته مسحة مميزة وخاصة من النور والظل توجه فهم اللوحة وتأويلها: تحويل القانون الدولي الإنساني إلى عنصر حربي تكتيكي مساعد يمكن توظيفه في الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية بقصد التمويه على الرأي العام، ووضع قناع إنساني ناعم على الحرب، وإطالة أمدها حتى تحقق أهدافها من إبادة وتهجير.
ولا بديل عن هذا التوجيه القسري لقرار أممي بترت منه أمريكا بندَه الفِقري، وهو وقف الحرب، إلا المقاومة عسكريا وسياسيا فهي وحدها من يشحن القرار الأممي بفهم مختلف وبتأويل عملياتي مختلف: كسب المعركة بالحيلولة دون انتصار جيش الاحتلال، مع حماية حاضنها الاجتماعي الذي لا يقل صموده المدني البطولي عن صمودها العسكري، فضلا عمّا يبذله الشعب من تضحيات جسام يندر أن بذلها شعب آخر عاش الوضع القاسي نفسه. ولذا يجب التشديد الإيجابي على "مقاومة غزة" أو "ملحمة غزة" لا الاكتفاء بعبارة "الحرب على غزة" ذات النبرة السلبية. وهذا مما يدخل في باب المقاومة على صعيد الرموز والصور.
ولا يمكن للمقاومة إلا التعويل على النفس. أما موقف عدد من القوى الدولية "الصديقة" فالغالب عليه هو المعنوي والحقوقي الذي يظل باهتا كما هو شأن روسيا والصين، فإن موقع هذين البلدين موقع منافس للإمبريالية الأمريكية.
ولذا فلن يذهبا أبعد مما ذهبا إليه بخصوص القضية الفلسطينية؛ بل إن كليهما يقيّم "الحرب على غزة" (=المقاومة الفلسطينية) من موقعه الجيوسياسي وبعدسة مصالحه ربحا وخسارةً. ولا تتباين بعض القوى الدولية فيما بينها إلا بدرجة الانتهازية التي قد تزيد أو تنقص.
فسّرنا ذلك بضعفها أثناء الحرب على العراق، فبِمَ نفسره اليوم في حالة "حرب على غزة" و"على الضفة" ظلمها واضح وضوحا لا مزيد عليه فلا يقتضي أي شكل من اللبس والشك فإما دعم المقاومة وإما معاداة الحقوق الفلسطينية: قوة محتلة تبيد شعبا محاصرا وتريد تهجيره لمرات متتالية؟