سقط اليسار الذي استهواه شعار "نهاية الإيديولوجيات" في أحبولة أكبر الإيديولوجيات في القرنين العشرين والواحد والعشرين، وهي الليبرالية (الجديدة القديمة) التي اصطنعت له إثنينية مُغرِية، بل واصطنعها هو أيضا لنفسه: الليبرالية الاقتصادية / الليبرالية الثقافية.
فصار الأحمق يتسلى، على نحو ديني، بنقد الليبرالية الاقتصادية بواسطة ليبراليتها الثقافية. ولكنه في الحقيقة يلبس قناع الثانية لتبرير الأولى! وهذا ضرب من الاغتراب "العَلْمانْ-ديني" أشدُّ خفاءً وتمويهاً وفعاليةً ممّا كان فويرباخ ثم ماركس يسميانه "الاغتراب الديني".
وفي واقع الأمر، هناك بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية الثقافية رابطة تضايف وتماسك وتعاضد متينة لا فكاك منها: الإيديولوجيا ليست فقط خطابا منطوقا أو مكتوبا، بل هي رموز وتخييلات (صورة العلم الأمريكي، اسم جامعة، الخ...) مرسومة على قطعة نسيج من القطن أو غيره (لباس الدجينز أبرز مثال) ...
المنتوج السلعي هو نفسه ثقافة، إيديولوجيا. فلينعم اليسار بمنامته وبأحلام يقظته... وخاصة بامتيازاته الطبقية الواضحة في أكثر من بلد من الشمال إلا من رحم ربك مثل أسبانيا... ولينعم اليسار بفتات "الصعود الاجتماعي" الذي جناه من يساريته شبه الليبرالية في تونس وفي بعض بلدان الجنوب الأخرى.