كتبت أكثر من مرة عن إذاعة بانوراما وها إني أعود إلى للكتابة حولها، إن لم أكن كمواطن متشبث بحقه في التعبير حول مادة تقدم له للاستهلاك وهي غير قابلة للابتلاع أصلا، فعلى الأقل مقابل أنها الإذاعة الوحيدة التي أتابعها عند السياقة. وما يروق فيها أنها تعطي فكرة عما تبثه الإذاعات الجهوية الخمس.
واعتقادي أنه لم يكن من الصدفة أن تبث في برنامجها الصباحي ليومين متتاليين من إذاعة تطاوين ثم من إذاعة قفصة، نفس المادة، حول الموضوع نفسه، وهو ما عبرت عنه المذيعتان، صدفة مثلا، بنفس العبارات، بحديثهما عن "الإجراءات الجريئة والثورية للسيد وزير الشؤون الاجتماعية". نعم بكل جرأة وبكل ثورية أيضا.
الإجراءات تلك "الجريئة والثورية" ليست موضوع التدوينة، وإنما الموضوع ما تخلل عرضها، في الإذاعتين بنفس التمشي والتدرج والبهجة المتناثرة في صوت المذيعتين، وحتى بنفس التعابير المتكررة، فقد تخللت الحصتين عبارة "بإذن من السيد وزير الشؤون الاجتماعية" 16 مرة في إذاعة قفصة، وقد عددتها لأن العبارة نفسها تكررت بشكل مكثف قبل يوم واحد في إذاعة تطاوين، ولم يخطر في بالي أن أحسبها.
الأمور تمت "بإذن من السيد الوزير"، لا وزارة ولا دراسة ولا لجنة ولا تخطيط ولا برنامج، وإنما فقط "بإذن من السيد وزير الشؤون الاجتماعية" وحده بلا شريك، وعلى فكرة، مثل هذا التأكيد والتكرار يذكر فقط بالحملات الانتخابية، والمفارقة أن الضيف والمذيعة أو الضيفين والمذيعتين كانا يتكلمان عن "إذن السيد وزير الشؤون الاجتماعية" ولم يشيرا ولو في مرة واحدة إلى رئيس الجمهورية، فبحيث نكتشف أن الحكم الفردي يمكن أن يتشارك فيه أكثر من فرد، ومن هذه الزاوية فالأمر ليس سيئا. فقط كان يتطلب أن تلتزم المذيعة شيئا من الجدية.