شاركت في كل تحرك استشعرت فيه دفاعا عن الحرية لكن عزفت الآن عن كل مشاركة. وأرى في العزوف صونا للكرامة. فالذين يحتجون الآن لا يقنعونني ولا أراهم على صواب. بل أرى أنهم جميعهم سبب في ما نحن فيه من ذل ومهانة. هذا الوضع من تدبيرهم وهم شركاء فيه. ويمكنني تعداد خطاياهم أفرادا وجماعات. وهم ماضون في غيهم بعدم التوقف عند زلاتهم والبناء على نقد ذاتي حقيقي وصادق.
ويشق علي الآن أن اكتب سلسلة الأخطاء كما أراها. ولكني اختصرها كلها في عدم إيمان كل مكونات الطبقة السياسية بالحرية والصبر عليها حتى تتأسس وتصير (لوجسيال قيادة شامل) يقلل من حجم الأخطاء الفردية ويحتويها. لقد رغب الجميع في مكاسب صغيرة بعضها لا يتجاوز منصبا بسيطا فيه راتب وسيارة مجانية. وهي مطالب سخيفة أمام مطلب الحرية. وبعضهم ظن بنفسه الكمال ففكر كفرعون وليس له من فرعون إلا الرغبة المنحطة. وحتى عندما بدأت نتائج الاستهانة بالحرية تظهر لهم لم يرتدعوا بل أوغلوا في غيهم حتى انتهوا حيث هم.
آخر حلقات الاستهانة بالحرية وبالناس وبالصندوق الانتخابي أنهم شاركوا جميعهم في ترذيل البرلمان المنتخب ورقصوا لذلك طربا. حتى سقط فوق رؤوسهم. بل أن كثيرا منهم لا يزال يعتبر ما جرى فعلا جميلا وضروريا. ولا يقدم نقده الذاتي بل يوغل باقتراح دستور جديد كأن ليس للناس من عمل الا أن يضعوا دساتير توصله إلى السلطة.
أنا المواطن التونسي البسيط الذي آمن بالحرية فرأيت خونتها فقط أقول لنفسي بصوت أسمعه...عفت الطبقة السياسية التونسية بكل مكوناتها عفتها كما أعاف بيضة فاسدة. أنا لا أصدقهم ولا احترمهم ولا اتبعهم أي لا أشاركهم في ما يفعلون الآن وفي المستقبل. إني أتابعهم من قبيل الحرص على الاطلاع على ما يجري.
سأعود إليهم وأماشيهم ضمن الجمهور العام إذا رأيتهم يوما يجتمعون علنا ويتفقون على نص جديد يبدأ بأن يعدد كل واحد منهم أخطاءه في حق الديمقراطية ويعلن العزم على عمل جماعي ديمقراطي غير استئصالي. لكني أرى أن فناءهم أقرب إلى التحقق من مروءتهم ورجولتهم. لن يتحرر البلد بهؤلاء فليأكل الغول ما طاب له من لحمنا ...حلال عليه…