رغم أن عدد المسلمين في العالم يحتل المرتبة الثانية بين اتباع الأديان (حوالي 1.9 مليار نسمة وبنسبة تصل الى 24.9% من سكان العالم)، إلا أن دور هذه الكتلة البشرية في دعم معركة طوفان الاقصى يكاد ان يقف في ذيل قائمة الحركات الشعبية في العالم، ويكفي ان نقف عند المظاهر التالية:
1- الدعم الاقتصادي للفلسطينيين :
عند حساب المساعدات المقدمة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين تبين ان 84% من هذه المساعدات تأتي من الدول الغربية واليابان ، بينما لا تتجاوز مساعدات ال 57 دولة اسلامية في منظمة المؤتمر الاسلامي 10% ويتوزع 6% على باقي دول العالم الاخرى(الصين وروسيا ..الخ)، وهذا لا يعني انهم اكثر عطفا على الفلسطينيين ،بل هم يدفعون ليطلبوا منا التنازلات لاحقا، فلماذا يتركهم المسلمون يفعلون بالمقاومة ما نراه صباحا مساء؟
وبعد أن اعلنت بعض الدول الاوروبية عن توقيف او تجميد مساعداتها للوكالة( وقيمة التوقف هو 675 مليون من اجمالي الميزانية البالغة 1.17 مليار دولار ) لم تعمل اية دولة اسلامية على تعويض ذي دلالة ،بينما ذهبت دول اوروبية مثل ايرلندا واسبانيا وبلجيكيا الى استمرار الالتزام بل ان ايرلندا رفعت مساهمتها بقيمة عشرين مليون دولار.
2- المساندة الشعبية:
طبقا للتقارير المختلفة فقد كانت نسبة المظاهرات في الشارع الغربي للفلسطينيين تعادل حوالي 89%(بين 10 اكتوبر 2023 و 29 فبراير 2024 الماضي) من مجموع المظاهرات في العالم ، ولو اخذنا نموذجا لموقف الشارع الاسلامي في الدول الاسلامية ذات العدد السكاني الوازن (من غير العرب) سنجد مثلا ان عدد المظاهرات المؤيدة للحقوق الفلسطينية في اندونيسيا(237 مليون مسلم) كان 5 مظاهرات، وفي باكستان(200 مليون مسلم) كان العدد 4،وفي افغانستان ( 37 مليون مسلم) التي هب المجاهدون العرب لنصرتها بالمال والرجال عندما نادتهم الولايات المتحدة مظاهرتان، اما نيجيريا ذات ال 96 مليون مسلم فجرت فيها 3 مظاهرات ،وفي بنغلاديش ذات الى 150 مليون مسلم جرت فيها مظاهرتان..اما الهند ذات ال 200 مليون مسلم فعرفت خمس مظاهرات....ولو قارنا مظاهرات المسلمين ضد الصين مثلا عندما نكأت بعض الجهات موضوع التمييز الصيني ضد اقلية اليغور في اقليم سينكيانغ ،كان حجم الاحتجاج الاسلامي اكثر من طوفان الاقصى..لماذا؟ اليس هناك علاقة بين الموقف الامريكي ضد الصين وبين التظاهر الاسلامي ؟ وهل ضعف حركة الشارع ناتج عن ان العرب (اصحاب القضية ) هم اقل تعاطفا مع قضايا الشعوب الاخرى بخاصة تلك القضايا التي تكون فيها الولايات المتحدة في الصف الآخر؟
3- الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل :
من بين الدول ال 57 الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي هناك 35 دولة اسلامية تعترف باسرائيل ،أي ان 61% من الدول الاسلامية(ذات الاغلبية الاسلامية) تعترف باسرائيل ، فتركيا ودول آسيا الوسطى وبعض الدول الافريقية الاسلامية(الى جانب 7 دول عربية تعترف بها و3 دول عربية تنتظر الفرصة المناسبة).
4- الدعم العسكري للمقاومة:
صحيح ان الدعم للمقاومة يأتي من جهات اسلامية(حزب الله، انصار الله، الحشد الشعبي وايران) ،لكن وسائل الاعلام في عدد كبير من الدول الاسلامية وفقهاء السلاطين وكُتاب "اعطه يا غلام" وجمهور من الجهلة يروجون افكارا ضد من يساند المقاومة، ففي الوقت الحالي انا معني أولا بمن يمدني بقنبلة او رصاصة او مدفع او يساهم في نهش عدوي من هنا او هناك، ولست معنيا بخلافات مضت عليها القرون، وإلا كيف نفسر التحالف الروسي(الأرثذوكسي) مع الصيني(الكنفوشي) مع الايراني(الإثني عشري) في أكثر من جبهة ؟
وهنا تقفز بعض التساؤلات:
أ- ما الذي يجعل دولا مثل التشيلي وكولومبيا وبوليفيا وجنوب افريقيا وتشاد وبلييز(هندوراس البريطانية سابقا) تسحب سفراءها او تقطع العلاقات مع اسرائيل بينما لم تتحرك اية دولة من دول آسيا الوسطى الاسلامية ،بل إن اذربيجان تكاد ان تكون الحليف الاول لاسرائيل في تلك المنطقة.
ب- لماذا لم تعلن حتى الآن منظمة التعاون الاسلامي عن انشاء صندوق خاص (حكومي وشعبي) لاعادة اعمار غزة؟
ان النظرة الآلية للعلاقات الدولية لا تساعد على فهم عمق الملابسات في هذا الميدان، فالافتراض ان ممارسة الشعائر الدينية او الوراثة الدينية تكفي للتوجه نحو بناء التحالفات هو تفكير فيه تبسيط مخل، فالدين المعاملة(اي السلوك مع الآخر)، وعليه ،أنا اطالب الحركات الاسلامية السياسية ببناء تحالفاتها على اساس "المعاملة" لا على اساس ما ينفثه الاعلام الامريكي والغربي واتباع هذا الاعلام المدسوسين في مؤسسات الدول الاسلامية...فالقاعدة هي:لا تقل لي ولكني دعني أرى، فكيف نساوي بين مادورو الفنزويلي وبين من يمنع رفع العلم الفلسطيني في اقدس مكان اسلامي؟ كيف اسوي بين أردوغان الشريك التجاري الاول لإسرائيل في الشرق الاوسط وبين الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا؟ وكيف اساوي بين من يخنق غزة عبر معبر رفح بأعذار واهية وبين ليوفرادكار (رئيس وزراء ايرلندا) الذي رفع نصيب بلاده في موازنة وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين؟..
ذلك يستوجب اعلاء أولوية الشأن العام والسياسة الدولية لتحديد الموقف من اية دولة لا على اساس ممارسة الطقوس (كشأن فردي) او على اساس الوراثة الدينية ..فالدين المعاملة..