من خلال متابعة بسيطة لمداخلات محللي السياسة التونسية و من تبقى من ممارسيها في البلاتوات الاذاعية تكتشف بسهولة حالة العجز عن الاستشراف وطغيان السير المتعرج على الخيط الرقيق لمشهد لم يعد فيه دور للفاعل التقليدي الذي انتجته عشرية الديمقراطية السائلة وانهت مهمته تقريبا سنوات التسلطية العارية للدولة / النظام التي اوقفت "بجرة سوط" المسار الذي قبلت به شتاء 2011 .
المفاجئ والغريب والمتعسر عن الفهم هو ارتفاع منسوب جرأة " بعض معلوم من اعلاميين ونشطاء" منذ اسابيع على السلطة القائمة عبر " التشجع " لطرح "موضوع الانتخابات الرئاسية " بعد ان أعطى " اشارة الخوض " في هذا الموضوع رئيس هيئة الانتخابات وعضوها ما انتج لحد الان تقدم ما لايقل عن خمسة مرشحين لهذه الانتخابات اعلن اثنان منهما ترشحهما في منابر " الاعلام السائد " والمراقب من " الدولة " بما يعمق شعور المفاجأة والاستغراب وتعسر فهم جرأة بعض طبقة سياسية واعلام عجزا سابقا في الحفاظ على استمرار الحياة السياسية و يملكان اليوم -مع ذلك - بشكل استثنائي شجاعة الحديث عن " تداول ممكن " في ادارة مشهد " التسلطية الدولتية العائدة " بعد اغلاق قوس " الحريات والديمقراطية السائلة " .
سبق ان اشرت في مداخلات اعلامية منذ أيام ان تقديري العام للمشهد السياسي يذهب الى اعتبار ان الفاعل السياسي الوطني خرج تماما من مدار التأثير في الحدث وأن الحاضر والمستقبل التونسي محكومان منذ 25 جويلية 2021 بإرادة الاجهزة العارية للدولة ومقتضيات التموضع الذي تختاره السياقات الاقليمية والدولية لبلادنا .و اعتبرت ان كل ما سيطلب من الفاعل السياسي التقليدي بأطيافه المختلفة هو ان يبارك - اذا قبل - الترتيب القادم للمشهد عبر تعبئة ما يحوز عليه هذا الفاعل من مخزون بشري / انتخابي والتفرغ في ما تبقى له من هامش حركة الى اعادة ترتيب بيته الداخلي في انتظار ما بعد خماسية اخرى لإمكانية استعادة حياة سياسية مسقفة ومسيجة تنهي التسلطية الراهنة ولكنها لا تستعيد عهد الديمقراطية السائلة .
لكن في عالم السياسة لا يمكن للمستشرف أن يتصرف كما يفعل الباحث في ظواهر الطبيعة وهو ما يدفعنا فعلا الى طرح التساؤل الذي اشرنا اليه في أول التدوينة حول هذا المفاجئ والغريب في هذه الجرأة التي بدأت تظهر على بعض نشطاء السياسة و "مؤثثي الوظيفة الاعلامية" فيما اذا كان ذلك يوحي بتغيير أكثر مما نتوقعه للمشهد التونسي ؟ ...العقل يجيب بالنفي لأن كل تغيير متوقع يبقى ضمن السقوف المنتظرة ولكن مجال السياسة بماهي عالم الظواهر الانسانية يجعل كل السقوف قابلة للارتفاع …
في انتظار ذلك نكتفي الان بتلعثم ألسن "المحللين" الناطقة باللامعنى و تعثر خطوات " الفاعلين" العارضين أنفسهم على صراط المرور حتى يأتي من يحمل ، من اسعفه الحظ منهم ، زقفونة ليمر به وبنا الى مرحلة اخرى من رحلة التيه في زمن لزوم ما لا يلزم …