ما الجديد في الأحكام الصادرة في قضية الشهيد شكري بلعيد؟ فأسماء الموقوفين معلومة والتنظيم الذي ينتمون إليه معلوم..
ما الذي كان ينتظره التونسيون؟
للإجابة على هذا السؤال أرى اته يمكننا تحديد أربع فئات لكل واحدة منهم انتظاراتها:
1- عائلة الشهيد ورفاقه واصحابه، ومن انضم اليهم من خصوم الاسلاميين، هؤلاء جميعا لا يبحثون على "الحقيقة" بل على إدانة واضحة وصريحة لحركة النهضة أو لاحد قياداتها، إذ يجب أن يتضمن نص الحكم، لقد أمر فلان.. والتقى فلان... ودفع فلان الأموال لعلان....
2- حركة النهضة كانت تريد إصدار الأحكام على منفذي الاغتيال ومن ساعدهم من تنظيم أنصار الشريعة، لابراء الذمة من جهة، والتخلص من وصم لاحقها طيلة عشر سنوات مفاده أن لها علاقة مباشرة بالارهاب،
3- عموم التونسيين، يريدون غلق الملف وتفكيك التنظيم الارهابي، لمعرفة كيفية اشتغاله وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم، ولذلك لن يهتم كثيرا بالأحكام الصادرة في مضمونها بقدر حرصه على معرفة كيف تم التخطيط؟ من اتخذ القرار؟ من موّل؟....
4- مؤسسات الدولة التونسية، التي خسرت في جريمة الاغتيال جزئيا معركتها مع الإرهاب، فلم تنجح في تأمين السلامة لاحد الشخصيات السياسية الناشطة وتم اغتياله في احد أكثر الأحياء السكنية أمنا…
في النهاية إن أكثر من كان ينتظر هذا الحكم هو القاضي السجين بشير العكرمي، فقد التهمته آلة الصراع الايديولوجي وحوّلته إلى "شريك" للإرهابيين ومتستّر على جرائمهم، وصار "عدوّ الشعب" والحال أنه وبحسب مجريات الأحداث لم يقم بغير عمله… أعرف جيدا لوعة "رفاق شكري" ولكني أشعر اليوم بأن ظلما ما يُمارس على القاضي بشير العكرمي، فقد اعتمدت المحكمة تقاريره واستنتاجاته، ولم تضف عليها شيئا يُذكر… ولا اعتقد انه من الإنصاف اليوم بقاءه في السجن…
إن حرصنا على كشف الحقيقة في جريمة الاغتيال لا يجب أن يجعلنا متساهلين مع ظلم الآخرين مهما كان اختلافنا معهم…
الحرية للبشير العكرمي اليوم وليس غدا هي علامة على بداية التعافي النفسي من الصدمة التي خلفها اغتيال الشهيد شكري بلعيد، والتزام "جهات الادعاء" بالتوقف على اتهام خصومهم السياسيين بالضلوع في الجريمة هي علامة على بداية التعافي السياسي، التي ستسمح للتونسيين بتركيز مصالحة تاريخية شاملة، تخلق فيهم وحدة وقوة لمجابهة التحديات…
شكري بلعيد كما عرفته رجل وطني… يقدم مصلحة تونس على كل شيء آخر، وسيكون مسرورا أن يتحول هو نفسه إلى عامل استقرار وتطور… لقد دفع حياته ثمنا لذلك….