جوهر يختنق ..!

"إما أن أغادر السّجن راجلا مرفوع الرّأس أو محمولا على أكتاف الأحرار".. جوهر بن مبارك / 3 ماي 2024 .. كلّ واحد منكم يضع نفسه مكان جوهر و يفكّر شنوة كان ينجم يعمل؟؟ ..

لو توقفت منذ أكثر من 14 شهر في ظروف غامضة و دون أن تفهم ماهي جريمتك!!.. دون أن يواجهك القاضي بأي فعل مُجرَّم قمت به !!.. فقط رئيس جمهورية بلادك رأسا .. يقول .. في تصريحات تتراوح بين أحكام الإدانة الجاهزة !! ..و الضّغط المباشر على القضاة المتعهّدين!..

و في خُطب رسميّة :

- "ملف ينطق بالإدانة قبل نطق المحاكم" (10\2\2023) ..!

- "أثبت التّاريخ قبل أن تثبت المحاكم أنّهم مجرمون" (14/2/2023) ..!

- "هؤلاء الذين تم إعتقالهم إرهابيين" (14/2/2023).. !

- "من سيتولّى تبرأتهم فهو شريك لهم" (22/2/2023)..!

و بناء عليه .. يُصدر فيك قاض بقطب الإرهاب بطاقة إيداع .. لتتحوّل بمقتضاها و بكلّ بساطة مُركّبة عجيبة !!.. من أستاذ قانون و معارض سياسيّ .. إلى إرهابيّ خطير!! .. تنتظر أن يحقّقوا معك .. تنتظر أن تدافع عن نفسك .. و يطول إنتظارك !!.. تطلب سماعك .. عشرات المرّات .. فلا يستجيب لك القاضي !!.. تطلب المكافحة مع شهود مُفتعلين .. فلا يستجيب لك القاضي!! .. لأشهر يختنق صدرك كلّ يوم بكلمات و أسئلة تجتاح رأسك الذي يكاد ينفجر بها !!.. و لا من مستمع و لا مجيب!! ..

و بما أنّك لسوء حظّك لست إرهابيّا حقيقيّا .. و لا تملك أسلحة .. و لا متفجّرات .. و لا تنظيمات!! .. لا يبقى لك غير تحدّي سجّانك عبر محاولة كسر جبروته بجسدك الضئيل !!.. فتدخل المرّة تلو الأخرى في إضراب عن الطّعام .. ثم تقطعه لأنّ رفاقك يتوسّلونك للتّراجع من أجل حفظ نفسك لنفسك و لأحبتك .. فتتنازل على مضض !!.. و ترضخ لفكرة موازين القوى .. لفكرة دوام الحال من المحال .. لفكرة الحي يروح .. لفكرة الصّمود .. لفكرة النّضال .. و الصّبر .. و البطولة !!.. تفكّر في رفاقك الحقوقيين و السّياسيين و الصّحفيين و المواطنين الذين لم يتوقّفوا عن التّنديد بمظلمتك!! .. و في كل عائلتك التي تقتصر على أب و أخت أشعلوا القلوب بصرخاتهم التي تخترق الحجر فتكسره !!.. ترفع إضرابك .. و تستعيد سجائرك و إبتسامتك .. و تفاؤلك ..

ثمّ تنتهي مرحلة التّحقيق !!.. بإقرار نفس تلك التّهم الوهميّة .. الواهية .. المجرّدة!! .. دون أن يسمعك القاضي!!!!! .. ولو مرة واحدة!! .. ثمّ هاهي دائرة الإتهام بنفس القضاة الذين طالما رفضوا الإفراج عنك دون تعليل! .. و دون إحترام لحق الدّفاع! .. هم أنفسهم يقرّرون مواصلة إحتجازك رغم إنتهاء المدّة القانونيّة القصوى للإيقاف!! .. و ذلك في خرق فاضح لنصوص القانون و ما إستقرّت عليه المحاكم و الأعراف ! .. و يهولك أنّ رئيس جمهورية بلادك رأسا يخرح في مجلس أمن قومي هذه المرة!! .. ليتّهمك من جديد .. " بالتّآمر من وراء القضبان" (15/4/2024) !!.. و ليحسم مرّة ثانية في قرار إحتجازك .. و يصرّ على سلب حريّتك عبر الإفتاء "بسلامة الاجراءات" (15/4/2024) !!.. نفس تلك الإجراءات التي شهد كبار أساتذة القانون بخرقها و ندّدوا بإحتجازك القسرّي خارج القانون !!..

في خضم هذا الكابوس يلوح لك "أمل".. أخيرا تعيّنت جلسة في قضية أخرى .. صحيح هي مظلمة أخرى .. و مهزلة أخرى !!.. لكن موش مهمّ .. هذه الجلسة بالذّات .. بما هي محاكمة علنيّة .. بما هي أخيرا !! .. فرصة للمثول أمام قضاة .. كانت تمثّل أملا في "الخلاص" !!.. طبعا جوهر ليس ساذجا!!.. فجلسة اليوم كانت كافية لخلاص من نوع آخر .. خلاص من زحام الكلمات و الأفكار التي ضاق بها رأسه لحد الإنفجار !!.. أخيرا سيحرّر كلماته و يتحرّر منها !!.. لعلّه يرتاح قليلا !! .. لعلّه يفجّرها قنابل حارقة!! .. ليتطهّر من بعض سمومها!!.. ليبرد !.. لعلّه يستريح قليلا بعد 14 شهر من الصّمت الوجوبي!! .. لكنهم منعوه ..! كانوا أجبن من ان يواجهوا كلماته .. أجبن من أن يروا آثار جريمتهم على جسده الذي اصبح عاجزاحتى عن الوقوف!! .. إنه أمر يكاد لا يصدّق .. لقد إحتجزوا جسده!! .. ثم إحتجزوا صوته!! .. كما إحتجزوا بقرار عدم التّداول أصوات محامييه و مسانديه !!.. جوهر يختنق !!..

و أنت .. لو كنت مكانه .. هل كنت ستختنق ؟؟.. هل كنت ستقول:"إما أن أغادر السّجن راجلا مرفوع الرّأس أو محمولا على أكتاف الأحرار" ..؟؟

تنويه: نفس الكابوس يعيشه بقية المعتقلين في قضية التآمر .. و معتقلون آخرون كُثر ..!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات