في واقعة إعدادية عبد الرزاق الشرايبي التي لم يتحدث عنها الاعلام المشغول بالوطنية وحادثة العلم

هذه القضة ليست مستوحاة من الواقع انها الواقع البغيض بلا زيادة ولا نقصان

عادة ما ازور عائلتي في منطقة بالفي Bellevue يوم الخميس في المنزل الذي عشت فيه دهرا لكأنه الأبد . هي سنة حفظتها من الوحدة والنسيان منذ انتقلت بالسكن الى منطقة سكرة . امكث في منزل العائلة هناك ساعة او بعض ساعة ثم اعود في طريقي شاقا من نهج المنصف باي . يوم الخميس الماضي وانا أعود الى المنزل بعد الزيارة تذكرت في مستوى المنصف باي ثم نهج سعد زغلول ان لي شأنا في نهج احمد التليلي فمررت قريبا من نهج عبد الرزاق الشرايبي واعداديتها.. والنهج يقع قريبا من وزارة الداخلية .

غمرتني قبل الوصول الى جهة قريبة من المعهد أصوات صياح كأنه النديب على ميت مرج وهرج وسباب بلغة الأعضاء الجنسية التي عادة ما احترفتها لغة الرجال ولكني استمعت اليها من افواه البنات اللواتي اصبح لهن عضو رجال أيضا.

لم أتبين اولا حقيقة الامر. غير اني شاهدت جحافل من الصبيان والصبايا يركضون في كل اتجاه . كان الصبيان عرايا وكانت الصبيات يلهثن وكأن بهن مس من الجن .تهيج الشارع حتى كانه جنهم الشياطين ولا نار وكانت عصا الطريق تموج فترتمي جميعا على سيارتي ووجهي.

خرجت من سيارتي لأشاهد معركة بين تلاميذ المعهد . انهالت الحجارة على سيارتي القديمة من "نوع لانشيا" وهي سيارة صغيرة إيطالية الصنع أتعبتني منذ اشتريتها من شخص اشتراها هو نفسه من الديوانة. سيارة قليلة الوجود في تونس ومن الصعب ان تجد لها قطع غيار فضلا عن البلور اذا اصابته حجارة الصبية . لا ادري اذا كان خوفي على نفسي كان اكثر من خوفي على عربتي وفيّ منها ذكريات اخر الليل بعد جلسات طويلة من معالجة الصحو بغيره حين تتوقف بلا سبب فاضطر الى الاستنجاد لمعالجة عطبها المزمن بشركة التامين كما فيها بعض مني دخانا واخر ما تبقى من عصير العنب واغنيات اضعها حين يستولي على حزن مفاجئ أعيش مع زكريا احمد و "ضيعت مستقبل حياتي … "علاقة هي شيء من الصلة الوثنية بالروبافيقيا والأشياء القديمة .

اضطررت الى التوقف . كان الفتيان يتحادفون بالحجارة ثقيلة اصابت واحدة منها تلميذا فوقع على الأرض وجرى الدم غزيرا من جمجمته.

اجتمع حوله بعض الصبية العرايا وكأنهم في فيراج احدى الفرق الرياضية ثم فروا حين هدت عليهم مجموعة مسلحة بالحجارة والعصي . شاهدت معركة حامية بين تلاميذ لا ادري ما الذي دعاهم الى كل ذلك .

ظللت اشاهد المشهد واقفا حماية لسيارتي.

كيف يمكن لمعلم مثلي بالمعنى العام لكلمة المعلم ان يحكم على ما شاهد .؟ لا ادري.. غير اني حزنت كثيرا لحال هذه البلاد …ضياع وهمجية وفوضى وعنف .

ربما أكون قطعة قديمة من زمن ولّى ولكني بهتت لسلوك الفتيات . ما زلت أتصور ان الفتاة بحكم كثيرا من الأوهام الاجتماعية البالية اقل عنفا جنسيا وهمجية من الفتيان.

يبدو ان الانهيار لبس الجميع ذكورا واناثا.

كل هذه الصفات مست بجنونها بناتنا واولادنا بلا فرق ولا تمييز..

تذكرت بالمناسبة واقعة أخرى في اعدادية 2 مارس 1934 في جبل الجلود تلميذ يصيب أستاذته بكرسي فيخلع كتفها ويشق وجهها ..

لا غرابة فاذا كانت النخبة لا تقل همجية وعنفا وقسوة فكيف نلوم صغارنا.. ؟ نحن نجني ما نحن ولا خلاف بيننا وبين فلذات اكبدانا.

انهم منا. والينا شيء غير قليل من كوارثنا ومصائبنا وعاهاتنا.

أخيرا شاهدت قبل ان يعلن المتحاربون عن وقف إطلاق السباب الجنسي والحجارة مجموعة من قوات الامن بالزي المدني تقبض على بعض الفتيان العرايا.

لا أدرى ما وقع معهم غير ان الامر لم يعد يعنيني. تأخرت الشرطة دائما رغم قرب الواقعة من الوزارة.

لا يهم ...هي ليست معنية لا بالمدارس و لا بغيرها من شؤوننا بل بشؤون اخرى تليق بحماية النظام في غير ما يعني المدرسة ومآسيها.

انا حزين رغم سعادتي بان سيارتي القديمة وبلورها النادر الثمين افلتا من تخريب مستقبل تونس الابية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات