من "منجزات" ما يسمّى بالدولة الحديثة، أنّها ربطتْ (عن قصد معلوم) مفهوم "الوطن" بالقُطْر. وربطت القُطر بالدولة. وربطت الدولة بالحزب الواحد. وربطت الحزب الواحد بالزّعيم الأوحد... وأعطت لكلّ ذلك بُعْدا قُدُسيّا موازيا للدّين، بل منافسا له... حتّى إذا ما اختار فردا (أو مجموعة) نهج المعارضة مهما كانت سِلْميّتها... وجد نفسه في دائرة تُهم "التّكفير" والجحود والتآمر…
ما يجري اليوم في تونس هو اختصار شُعبويّ مقيت (مضحك/مبكي) لكلّ تلك المسافات، لتصبح المعادلة قائمة على ثنائيّة "الوطن/الزعيم الأوحد"... ثنائيّة لاقت بعضُ "نجاح" في أوروبا خلال ثلاثينات القرن الماضي، ويعلم الجميع مآلاتها…
طبعا لا أفقَ ولا مستقبل لهذه المعادلة، لخروجها عن نسق عجلة التاريخ (المتسارع دورانها على مستوى المنطقة والعالم)، ولافتقادها لعناصر البقاء، وأهمّها حدّ أدنى من "العقلانيّة" ومن "الكفاءة" في إدارة شؤون البلاد اليوميّة... ناهيك عن التنمية وعن المشاريع المستقبليّة... فتلك أقواس قد أغلقتْ منذ البداية وخير تجسيد لها البوّابة اليتيمة للمدينة الصحيّة بالقيروان…
يكفي أن نستعرض خطابات "الرئيس المنقذ" أمام "مؤسّستيْ" "مجلس الوزراء" و"مجلس الأمن القومي"، لكي نستشفّ بدون عناء (فيما عدى عناء السماع) كيف تُدار شؤون البلاد، وبمن، وإلى أين تسير الأمور…
حادثة "العَلَمْ" الأخيرة، وهي من المضحكات المبكيات، هي خير دليل على انتفاء الدولة (لا ضعفها فحسب)... الدولة في كلّ مستوياتها، كما وثّقتها كاميرا الاجهزة الاعلامية للسلطة: الرئيس، الوزير، الوالي... والمواطن المبهوت، الخائف، العاري... العاري كحقيقة وضع البلاد…