لا تتشبّهوا بنا ولا تشبهونا رجاء..

هذه كلمة للجيل الأقل من أربعين سنة...

نحن الجيل المخضرم الذي عاصر أهوال الحروب، وعاصر ذاكرة المحو، وعاصر فوضى انتقال الأزمنة الفارغة ..

نحن الجيل الذي لم ير الثورة التحريرية لكنه عاش قيامتها سماعا على ألسنة الشهود، وألما على دماء الشهداء..

نحن الجيل الذي لم ير الاستقلال، لم ينعم بفاكهة الحرية، لم يحقق ذاته كي يقول ها أنذا بدل كان أبي!

نحن الجيل الأرمل والأعزل والمنسي بين لحظة نهاية تاريخ وميلاد أخدج لم يكتمل.. نحن جيل لم يقبض على حلمه كما يجب، ولم يكن رجلا كما يجب، ولم يتحمل مسؤولية حماية الاستقلال الناقص كما يجب..

لا تشبهونا من فضلكم!

نحن جيل الخوف، والهزيمة، والجرح، والحذر... عشنا عمرنا منزوين داخلنا، مرتعبين من خارجنا، العالم حولنا عدو، ومؤامرات، وأياد أجنبية، ومخابرات، وقوادين، وجواسيس، وخونة، وحركى، وأبناء الاستعمار القديم، العالم حالة حرب وهمية موجهة ضدنا، كل الآخرين أعداء، متربصين بنا، محتالين علينا، حتى الأصدقاء مشكوك في صداقتهم، حتى الأشقاء مجرد إخوة أعداء ،،، وبكلمة واحدة: نحن مسبقا ضحايا لا نعرف لمن؟.

ولذلك...

لا تتشبهوا بنا ولا تشبهونا من فضلكم!

نحن جيل ثقافته تتلخص في الحقد، والبغض، والغيرة، والنميمة، واحتقار الغير، وقتل الأفضل منا، والتآمر على المتميز فينا، وتهميش من يختلف معنا حتى ولو كان على حق...

نحن جيل مثخن بكبرياء ساذجة، ونرجسية مريضة، وتورم سرطاني في الذات، واسترجال على رجالنا، وتتفيه لعباقرتنا، وتسطيح لوعينا، والتكاسل عن أداء مهامنا حتى ولو كانت مصيرية...

نحن جيل فقدنا عن عمد قضايانا الكبيرة وعشنا نلوك كالأنعام الأحداث الصغيرة العابرة، نلهوا بالأسئلة الساذجة، وندعي في العلم معرفة، ولنا في كل بئر دلو ليس به ماء... هذا الجيل لا يمكن ان يكون نموذجا يحتذى...

ولذلك لا تشبهونا من فضلكم...

نحن جيل مثل الحمل الكاذب، يتوجع بنا رحم التاريخ ثم لا يلد سوى الوهم. طيلة ستين سنة لم يكتمل العقل في رأس هذا الجيل كي يفكر في هبات عصره الاستثنائية كي يكون جيلا استثنائيا مثل جيل آبائه.. ضيعنا فرصا تاريخية لاستكمال استقلالنا الناقص، فجرجرنا التاريخ في منعطفاته الحلزونية حتى وجدنا أنفسنا ونحن في آخر العمر مجرد جيل من غبار أعمى عيون العقل عن رؤية ممكنات العيش المشترك الآمن، واختراع الحياة مما يجمعنا، وممارسة حكمنا لأنفسنا كرجال قادرين على المسؤولية...

نحن جيل غير متسامح، لنعترف، نمارس تسلطنا على ما حولنا إلى حد أننا قتلنا الحياة حولنا، وها نحن متواجدون كجثث أنيقة محنّطة لا يعلوا توابتنا سوى الغبار الذي لم ننفضه عن عصرنا...

رجاء، لا تشبهونا ولا تتشبهوا بنا...

الجزائر في حاجة الى قدر آخر، مصير آخر، حظ آخر في هذه الحياة التي جمعتنا في خريطة واحدة وقدر ومصير وحظ واحد. كونوا أفضل منا، كونوا واعون أن فرص التاريخ نادرة، ولذلك لا تترددوا أبدا في اقتناصها من أجل مستقبل أفضل لكم.. من أجل جزائر لا تشبه جزائر جيلنا الذي حنطه التاريخ لأنه لم يقم بواجباته كما يجب.

انطلقوا دائما من فكرة أن الآخرين أصدقاء حتى يثبت العكس، وأن الأمم برجالها ومثقفيها وعباقرتها وليس بفاسديها، وأن الوعي بحركة التاريخ هي الشجرة الأولى التي تزرعونها في حديقة عصركم.

رجاء لا تشبهونا!

ورجاء أخيرا، حين تدفنوننا أدفنوا معنا بقايانا كي تنعموا بحياة صادقة، مهذبة، سعيدة، متطلعة دائما إلى الأمام وليس إلى هذا الوراء البغيض.

والسلام.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات