لا يمر يوم تقريباً إلا ويعثر الفلسطينيون في غزة على شظايا قنابل وصواريخ إسرائيلية تحمل على بعض أجزائها علامة «صنع في الهند». وفي كل مرة يتفاجأ الإعلام العربي بذلك، كما فعلت قناة «عزمي بشارة» (العربي الجديد) التي أخذتُ الصورة أدناه من شريط فديو نشرتْه قبل بضعة أيام.
الأمية السياسية المستشرية في العالم العربي، بفضل الإعلام الناصري السوقي الرخيص في الماضي (ومديره النصّاب الكبير «هيكل»)، والإعلام الخليجي الصهيوني الأكثر رخصاً وانحطاطاً في الحاضر، جعلت من ملايين العرب أعجز من أن يروا في الهند أكثر من صورة «أنديرا غاندي» و والدها «جواهر لال نهرو»، التي طبعها إعلام «الأونطة» الناصري في أذهانهم منذ الستينيات من خلال كتب ومقالات «هيكل» و«إذاعة صوت العرب» التي كانت أسستها وأدارتها وكالة المخابرات المركزية بأموالها ومعداتها التقنية، ومن خلال «منظمة دول عدم الانحياز»، التي كانت تعتبرها وكالة المخابرات المركزية في تقاريرها الاستراتيجية «أكبر خدمة لمصالح الولايات المتحدة، كونها أبعدت أكثر من نصف العالم عن خطر الشيوعية». («حركة عدم الانحياز» تشبه إلى حد كبير حاخام «بكركي» في لبنان، العرص «بشارة الراعي»، الذي يدعو إلى حياد لبنان في الصراع بين الساطور الإسرائيلي ورقاب الفلسطينيين ).
كانت «أنديرا غاندي» من أشد المعجبين بالحركة الصهيونية، ولطالما رددت عبارة والدها الشهيرة «إن إسرائيل مثال يحتذى في مكافحة الاستعمار. وقد شكلت حركة التحرر الوطني الصهيونية مصدرَ إلهام وقدوةً للشعب الهندي خلال سنوات كفاحه للتحرر من الاستعمار البريطاني» (كذا حرفياً!).
وفي صيف العام 1967 ، حين كانت صداقتها مع «عبد الناصر» في أوجها، وحين كان هذا الأفاك القومجي المهرّج يروّج لها في إعلامه ويطلق اسمها واسم والدها على شوارع المدن المصرية، طلبت «أنديرا غاندي» من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك «ليفي أشكول»، الذي كانت قواته احتلت للتو أراضي ثلاث دول عربية وبقية فلسطين، المساعدة في بناء جهاز مخابرات وطني هندي على غرار الموساد. وسرعان ما لبى طلبها بأن أرسل عشرات الخبراء من ضباط الموساد والشاباك (الشين بت) إلى الهند من أجل ذلك.
وهكذا ولدت المخابرات الهندية المعروفة باسمها الرسمي «جناح البحث والتحليل Analysis Wing-RAW Research and» من رحم الموساد والشاباك في العام 1968. وربما كان هذا الجهاز هو الوحيد في العالم (باستثناء جهاز «السافاك» الإيراني الشاهنشاهي) الذي يشبه الموساد إلى حد التطابق، ليس في بنيته التنظيمية فقط، بل وفي طريقة وتقنيات عمله الإجرامية أيضاً. ومنذ ذلك الحين نشأت علاقة دعارة سياسية وأمنية بين الهند وإسرائيل ظلت دائماً حبيسة الغرف المظلمة بعيداً عن الإعلام، وإن كان ظهر بعض ملامحها خلال السنوات الأخيرة من خلال تسريبات صحفية عن التعاون بين الطرفين في مجال الصناعات العسكرية، رغم أنه لم تكن بينهما علاقات ديبلوماسية (أقيمت في العام 1992).
لكن ما ظل خفياً دوماً، وهو ما تعرفتُ عليه بمحض المصادفة خلال مراجعتي أرشيف وثائق استخبارات ألمانيا الديمقراطية العائدة لفترة السبعينيات والثمانينيات، هو الدور الرهيب الذي قامت به «الموساد» و«الشاباك» (المخابرات الداخلية) منذ ذلك الحين في قتال وسحق الحركات الفلاحية «الماوية» التي تتصدى منذ عشرات السنين للأوليغارشيا الهندية والشركات متعددة الجنسية التي تريد الإستيلاء على أراضيهم الزراعية، مورد زرقهم الوحيد، في مقاطعة «نكسالباري Naxalbari» (البنغال الغربية، شمال شرق الهند)،على طريقة الشركات نفسها في أميركا الجنوبية وأفريقيا، وعلى الطريقة الإسرائيلية في الضفة الغربية!