مر أمامي على صفحة إحدى إذاعات تمييع المعنى وهدر العقول خبر تعرض الأستاذ أحمد نجيب الشابي إلى حادث انجر عنه كسر (ربي يشفيه ويعافيه ).
كالعادة يأخذني الفضول أحيانا لمتابعة عينة من التفاعلات... شدني تفاعل صديق عزيز... طبيب تجمعي ونائب ببرلمان بنعلي في عهدته الأخيرة التي أطاحت بها الثورة (التي يسميها التجمعيون وطحانتهم من يسار البلعة "ثورة البرويطة" تحقيرا لحاملها الإجتماعي وبلداتهم المحتقرة). ولأن هذا الطبيب المفاخر بتجمعيته خلوق ومتربي ومشبع بقيم العيش المشترك فقد دعا للأستاذ أحمد نجيب الشابي باللطف والشفاء... وعينك ما تشوف إلا النور... رفّال لايكات أغلبها ضحكات بلهاء أزعجت الطبيب المشبع بقيم النجدة أيا كانت هوية الجريح الذي بين يديه.
دخلت إلى صفحات الذباب الضاحك، لا أحد منهم تجمعي (على فرض أنهم من أصدقاء الدكتور) ولا أحد منهم له منشورات رأي... كل منشوراتهم موسيقى وعصافير وزهور!!!! أزهار موسيقى وعصافير وتشفي في الموت والجرحى والمعتقلين... ما وراء الأكمة يا ترى؟!!!
هنا نستنجد بالعلماء الذين نُكبت مجتمعاتهم بما نُكبت به تونس حاليا:
يقول عالم الاجتماع زيغمونت باومان أن الشعب الألماني قبل النازية كان يعد من أكثر شعوب أوروبا تعايشا مع مواطنيهم من يهود العقيدة، فما الذي جرى حتى شهد العالم اصطفاف الملايين تواطؤا بالمشاركة أو الصمت لجريمة المحرقة؟!!
تتضح الصورة أكثر مع ما أطلقت عليه الفيلسوفة حنة أرندت تفاهة الشر ساعة طلبت من السلطات الصـ..ـهيونية التي اختطفت ايخمان أحد رموز النازية لمحاكمته وإعدامه... ساعة حاورته ذهلت كونه يفتخر بما فعله كونه يفعل الخير المطلق لوطنه وأنه غير نادم على ما فعل فصرخت وكتبت يا لـ تفاهة الشر وحتى تكتمل الصورة نذكر أنه ساعة تمت مهاجمة هتلر في مخبئه فوجئ مهاجموه باحتواء غرفته لوحات تشكيلية واسطوانات سنفونية.... بقي السؤال مطروحا كيف يكون المرء مجرما متوحشا وعاشقا للفنون ؟!
يجيب باومان كون الشعبوية النازية نجحت في اختلاق العدو المستباح بضمير مرتاح....
جمهور الشعبوية الواسع هو الحشود الرثة... القطعان البشرية المتروكة لأقدارها... البروليتاريا الرثة بالقاموس الماركسي... معناه الفئة الاجتماعية غير المهيكلة في علاقات الانتاج... معناه وضعها الهامشي لا يمكّنها من اجتراح عُدة نظرية للتحرر الإجتماعي مما يصيبها بـ قابلية العبودية الطوعية للشعبويات الدينية والقومجية... هذه الحشود الرثة تجدهم قوادين ولصوص وسرعان ما تجدهم دواعش ومناشدي نظم شعبوية يمارسون تكفير وتخوين السياسيين والمثقفين والنقابيين والحقوقيين....
عندي عام صرت أعتبر الانقلاب الشعبوي جزءا من معركة التمكين للديمقراطية التي ذبحها أشد المستفيدين منها وسلموها للشعبوية وهاهي تفرمهم بشكل مهين... عسى ذلك يعيد لهم الوعي بحجم ما اقترفوه!!!!
مهما طالت المحنة الشعبوية فهي تتقدم على طريق مسدود... بلا أفق.... وسيستأنف التونسيون ما دشنوه وبذروه بشكل سفيه... لم يعد لي العمر الكافي لكل الأحلام الكبيرة التي عشت لها وبها... لكني سأنفق ما تبقى لي من عمر في فضح وتفكيك الخطابات الشعبوية التكفيرية والتخوينية والتحريض على تجريمها ومنعها من الاعتراف السياسي. فالوطن والدين مشتركات وطنية وعدة تعبئة للتحرير وليست ٱيديولوجيا سلطوية…