أقرأ كثيرا تعليقات تحذر من اتخاذ مواقف مساندة لقضية فلسطين، وهناك من يعتقد أن الجزائر ذهبت بعيدا في هذا المجال من خلال ما تقوم به في مجلس الأمن الدولي، وهناك من يقول صراحة إننا سندفع ثمنا غاليا مقابل تلك المواقف، وهناك من يذكرنا بأننا دفعنا ثمن إعلان الدولة الفلسطينية عشرية حمراء، وآخرون يقولون إن ما تعرضنا له في التسعينيات كان بسبب موقفنا المعارض للحرب على العراق.
يقدم أصحاب هذا الرأي أنفسهم كواقعيين، والحقيقة أن هذه الرؤية هي أقرب إلى الخضوع والانهزامية فضلا عن كونها غير مستوعبة لحقيقة موازين القوى الدولية والهوامش التي توفرها حالة الترهل التي يمر بها النظام العالمي والمخاض الذي يعيشه العالم.
ما نحتاجه ليس الخوف بل الذكاء، وما يقال عن مؤامرات دولية حيكت وتحاك ضد الجزائر بسبب مواقفها ينطوي على مبالغة كبيرة وهو في حالات كثيرة جزء من الدعاية التي تهدف إلى تبرير استمرار نظام سياسي جامد.
المرحلة التي يمر بها العالم اليوم مرحلة معقدة وهي تقع بين نظام يكاد يبلغ حدوده القصوى ونظام سيستغرق تشكله مزيدا من الوقت، وهذا الوقت سيكون خطيرا لكن فيه فرصا لمن يملك رؤية وكفاءة لتحقيق أهدافه.
نقطة ضعفنا الأساسية هي جبهتنا الداخلية ومنها يجب أن نبدأ، أما التمسك بالمبادئ المعروفة لسياسة الجزائر الخارجية فلا يمثل أي خطر على مصالحنا الحيوية، والمطلوب هو كفاءة عالية في الدفاع عن تلك المصالح وتجاوز سياسة رد الفعل التي ينتج عنها سلوك متشنج.
تاريخيا تصنف الجزائر ضمن الدول العربية "المتشددة" عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، ولعل الجغرافيا جعلتنا في منأى عن الضغط، أما مسألة تصنيفنا كعدو من قبل الكيان فليس في الأمر جديد.
أمريكا 2024 ليست أمريكا خمسينيات ولا حتى تسعينيات القرن العشرين، العالم اتسع كثيرا على القوة الأمريكية وعلى إمكاناتها العسكرية والاقتصادية، وأول من يدرك هذا هي أمريكا نفسها التي بدأت تتصرف على هذا الأساس منذ فترة واولويتها إعادة الانتشار للتركيز على المناطق التي يعتقد أنها ستدور فيها معارك صياغة النظام العالمي الآخذ في التشكل، وهذا يمنح الدول الاقل تأثيرا هوامش أوسع للمناورة وفرصا أكبر مما كان متوفرا خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.
يجب العمل بجد ودون خوف، فالدول التي تملك الإرادة والشجاعة هي التي ستضمن البقاء، وبدل استعمال المخاطر الخارجية، وهي حقيقة قائمة، كفزاعة لتخويف كل داعية تغيير وإصلاح، وجب العمل على مواجهة تلك المخاطر بمجابهة أكثر الثغرات خطورة وهي نظام الحكم الجامد والفاسد، ووضع أسس بناء جديد يسمح للبلاد بالاستفادة من مصادر قوتها وذكاء أبنائها.