حكايات أشلاء وحش من جيفة

نكتفي بالإصغاء لحكاية عن رهط وحش من وحوش خارقة
ونمرّرُ الحكايات المستعصية على الفداء للمستكشفين عجاف غابة الظلمة
الرّواة يختلفون كثيرا في نقل أخبار وصف أشلاء وحش
لم يأت به الزّمان من قبل
لا يعرفون من الوحش إلا ما حفروه بأظافرهم من أشكال مبهمة بمحض الخيال
النفس البشرية بؤرة غواية بنفق حالك الرّؤية
فما بالك بروح وحش يستميت للدّفاع عن أشلاء جمجمة
رغم أنّ الوحش لم يره أحد ولا وجه له يُرى يتناقل أشباح من الإنس خبر شبحه
وجهه بين أيدي الرّواة المزدحمين في الميادين للتعرف عليه
عظْم غليظ لا طويلا هو ولا قصيرا يشبه ظلّ زقّوم
يتراقص أقصاه خطْم ينزّ دما مدبّبا
قليل جلد غابيّ ممزّق إربا إربا يغطّي ما تبقّى من عنف عورة بشعة
كيوم القيامة يفتح باب جهنّم
غار واسع تلج منه وتخرج جرذان تمكّنت بالخراب
تقطّع أمعاء نتنة وتنهش الحزن بشراهة
لم تضق الدنيا
حتّى بعد الآخرة
نعود للقتال ولا نُهزم
أنياب ومخالب ممحوقة كأفول النّجوم في دوّامة ثلج
على أعلى نتوءات الأنواء يتدحرج ما تبقى من جيفة نكرة
وبحر ظلام يغور بجماجم وحش عنيد
الهيكل العظميّ خراب زمن يمتدّ على طول أطلال مجد عتيد
فراشات بحر قاتم تشدو نايات حائط البراق
وأمام أبواب القصور الخاوية تنتحر فراشات اللّيل
غُمَر خصلات شعْر أقلّع عرّت وحش جماجم لا صلة له بالمجد والشّرف
إغارات الشّعر بروح بيض النّعام ترتشفه الصّعاليك النّبلاء
جمجمة فرعون جماجم منقوشة في اللّوح المحفوظ
لا تجبرني بربّك يا قومي عن القسم
أنا كذّاب بجينات أجراس معابد وأصنام غابرة آتية
جماجم جمجمة الوحش مزْج بين الجنّ والحيوان والإنس والخمر
وربما من سعير الشّيطان والأفيون بنية النّفس
الحبل تقطّع بالدّلو بمنعطف القهر في يوم الحجّ قبل الحجّ
انبثقت جمجمة ثعبان محنّط من جماجم الوحش
تحنيط الأرواح في زمن الحضارة بريش النّسر اليانكي البرّاق
النّسر الأبيض عشّش بقاع بئر نفط وذهب وفرّخ
على قمّة رأسك بطول قامة عليلة وضعتَ كل الجماجم
متسلقا برج بابل للبحث عن مرآة وجهك في السّبيِ
ولم تر من وجهك إلاّ جمجمة وحش ممسوخ
التّلمود أسفار جماجم مكتظّة بغزّة
الغربان نشيد قديم توشّح ترافلغار سكوار وسطوح الكنائس المهجورة
تنقر الغربان لحم غزة الطّازج الشّاسع بكلّ نكهة لحم فلسطين المنهوب
الوليمة لكل الأذواق في زمن القحط والذّلّ
تقتات كتائب الأرواح عويل البيت الأبيض قاتل الضّوء
برج إيفل يغرق ببحر الجماجم مثخّنة بالدّماء
واللّعنة
روما لعنة الأجداد في معابد القربان وقلائد مقابر منسية بالعنق
تهاطلت برلين جماجم غزاة بسيول عفريت غزّي جارف
وشومان يحتضر تحت أقدام نجمة داوود
صندوق بوندور تفتّت
فلسطين الذّبيحة تعود من وراء الشّهادة إلى ساحة الوغى
قُطْع لسان الجمجمة دامي أدماني بلحمي المنهوش ولُعب الأطفال بقلبي مهشّمة
الوحش يمشي بلا رؤوس ويزبد ويزمجر في أكفان الشّمس
الرّئتان عالم ميّت إلى البعث
الطّحال مكمن الدّاء في الطبّ القديم
ومازالت سفينة نوح غريقة الوحل
الآذان حيات ذي الأجراس تزحف حيثما سحيق الجحر
الأعين تيه لا تشدّها أوتاد ولا قيود
الأرجل تطير جماجم ركام بكاء ووجع
الأيدي سلبها الله دقّ البنادير والدرابيك
والمزامير تعيث إفسادا في الظلمات
لكل جمجمة وجه بآثار خراب عنجهيّ
تدور بكل قطارات الدّنيا على خيط نار طلقة غول حاسمة
جيفة منثورة على قارعات الطّرق منبوشة
لم تستطعْ جمع أطراف الجثّة متحلّلة هنا وهناك
وعلى طول جسدك وروح جدّك وأبيك
انثروا القدّيد الوحشيّ على سطوح المدائن والقصور المرصوصة بأرواح الأطفال والنّساء والعجّز
طيور الجنّة تموت من الجوع وشدّة الغناء والرّقص
خنقَكَ في الصّمت استبداد النّتونة ودوار الأوطان
عهر جمجمة الوحش يَسكرُ بدمك حيّا بعد الاغتيال
متحف أشلاء جمجمة وحش من ذهب تزيّن أدغال النّسيان
هل العالم نتن إلى حدّ الموت
وما قبل الحياة؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات