الذين شاركوا في الانتخابات بالترشح والذين دعوا إلى المشاركة بالتصويت ركزوا على شرح الفرق بين العزوف ومقاطعة الانتخابات.
وخلاصة فكرتهم أن العزوف سلوك سلبي يعبر عن العجز والاستقالة من الشأن العام، في حين أن المقاطعة فعل سياسي يقوم على عمل منظم لشرح مبررات المقاطعة وطرح بدائل عن الانتخابات بالصيغة المقترحة.
من الناحية النظرية قد يبدو هذا القول منطقيا، لكنه لا يقدم تفسيرا لسلوك الملايين الذين يرفضون الذهاب إلى صناديق الانتخابات رغم هذه الحملات الإعلامية التي لم تتوقف منذ سنوات وتسوق لإنجازات غير مسبوقة بالموازاة مع التحذير من مخاطر خارجية تهدد أمن واستقرار البلاد.
كيف يمكن لملايين المسحوقين من البطالين والموظفين والعمال وصغار التجار الذين تكاد تصبح حياتهم مستحيلة بسبب الغلاء والبيروقراطية ورداءة التعليم والخدمات الصحية، أن يستقيلوا من الشأن العام؟ هذه العبارة الغبية تناقض مفهوم الشأن العام الذي يرتبط مباشرة بحياة هؤلاء ومصائرهم.
العزوف في حقيقته هو تعبير عن رفض مطلق لما هو قائم، ويعكس غياب الأطر التنظيمية التي تسمح للمجتمع بأن يجعل قوته مؤثرة وقادرة على فرض ميزان قوة جديد في مواجهة السلطة، وفي هذا السياق تتحول الانتخابات إلى مجرد إجراء شكلي لأنها لم تعد آلية للتغيير أو التحكيم.
المقاطعة كفعل نشيط تتطلب مجالا سياسيا مفتوحا، وأحزابا مستقلة عن السلطة وهو ما لم يعد موجودا في" الجزائر الجديدة" كما أظهرته الانتخابات الأخيرة حيث تحاشى مرشحا "المعارضة" تقديم حصيلة لحكم السنوات الخمس الماضية.
العزوف هو تعبير عن قطيعة كاملة مع نظام الحكم القائم، ورفض صريح لكل مبررات الخطاب الرسمي لتأجيل التغيير والإصلاح وأهمها مبرر المخاطر الخارجية والمؤامرة التي تتعرض لها البلاد.
إن عدم قراءة الرسائل المتكررة التي تبعث بها الأغلبية في كل انتخابات يوحي بعدم وجود جهة قادرة على تلقي تلك الرسائل واستيعاب مضامينها والتفاعل معها بجدية، وهذا مؤشر مخيف على حالة التهالك التي وصل إليها نظام الحكم بكل ما يعنيه ذلك من آثار سلبية على استمرارية الدولة.
الوقت ليس للجدل النظري، وهو ليس للاحتفال بهزيمة طرف أو سقوط نظرية أو فشل تحليل، إنه وقت العمل بجد من أجل وقف هذا الانهيار، ولن يكون ذلك إلا بتمكين المجتمع من أن ينتظم بحرية بما يسمح بإحياء السياسة وترميم سمعة الانتخابات كنتيجة لذلك.