في صبانا كانوا يخوّفوننا بالغول و يحذّروننا من التحدّث مع الغرباء خشية الاختطاف،عرّافة أو ساحرة شرّيرة،أو باحث عن كنز يصطاد كلّ من له نقطة سوداء في أعلى بياض عينه أو خطّ مستقيم متواصل يقسم كفّ يده اليمنى،و كنّا نأخذ تلك المحاذير مأخد الجدّ و نطبّق تلك الأوامر بحذافيرها.
و قد يصادف أن تطرق بابنا إحدى العرّافات فتخرج إليها جدّتي فاطمة طيّب اللّه ثراها و تعطيها خمس قطع من خمس ملّيمات و تطلب منها الانصراف.
كنّا نتمنّى حينها أن تتركها تدخل لتكشف لنا عمّا يشغلنا حينها،كانت أختاي الأكبر منّي سنّا قد انقطعتا عن الدّراسة مبكّرا و دخلتا في مرحلة الحلم بفارس الأحلام،و كنت حينها أعدّ لمناظرة السّادسة ابتدائي حينما كانت تقام الأفراح و تنصب الولائم بمناسبة النّجاح فيها، و كانت جدّتي تشبع فضولنا و رغبتنا في استكشاف المجهول بأن تقوم بدور العرّافة و كنّا نصدّقها.
كانت تمسح كفّيها و هي تتمتم ثمّ تشبّر يسراها بيمناها،من أقصى وسطى يدها اليسرى حتّى منبت كتفها فتعود من حيث ابتدأت بحركات متسارعة كانت تتسارع معها نبضات قلوبنا و تتّسع حدقات عيوننا و نحن نراقب صراع الخنصر مع الوسطى و نترقّب النّتيجة،كان الٱصبع الّذي نعرفه بطويل الغلّة هو العقبة و الحدّ الّذي يجب تجاوزه من قبل "صغيّر صغرون"و إن تمّ ذلك فهي بشرى جيّدة تجعلنا نتقافز فرحا.
لم نكن نعلم أنّ ذلك الإصبع يسمّى بالوسطى أو الإصبع الثّالث في الأناتومي البشرية،كما لم نكن نعلم أنّ الإشارة به هو من قبيل البذاءة إلّا حين تشاجرت جدّتي مع إحدى الجارات فتعالى صياحهما لنشاهد جدّتي و هي تشهر وسطاها فما كان من الأخرى إلّا أن ردّت بقبضة يدها اليمنى و هي تلوّح بها كتلك الحركة الّتي نشاهدها في ملاعب كرة القدم و في مدارجها أو شبيهة بالّتي يقوم بها رئيس سلطة الأمر الواقع و هو يلتقط الصّور مع الفلّاحات الكادحات أو الأطفال.
حينها علمنا أنّ الإشارة بالوسطى فعل مشين و بذيء و أنّ التّلويح بالقبضة أشدّ بذاءة و قبحا.
و الفرق واضح بين طول إصبع بسمك سنتيمتر و نصف و طول ذراع بسمك قبضة يد!
هي بذاءة في مناخ العبث و البذاءة و الرّثاثة حينما عجزت حروف الهجاء و كلّ الكلمات القبيحة عن وصفه،فلنقل هي وسطى محتجّة صغيرة في وجه قبضة سلطة غاشمة قبيحة.