الدبلوماسية الامريكية إمرأة نصف حُبلى

منذ بداية طوفان الاقصى تحاول الولايات المتحدة ان تغرس فكرتين مركزيتين في عقل شعوب منطقة الشرق الأوسط خاصة وعقل العالم عامة ، ويتم توظيف قنوات فضائية عربية لري وتسميد غرسها، وهاتان الفكرتان هما:

أ‌- انها تبذل جهودا مضنية لتحقيق السلام في المنطقة:

تدعي الولايات المتحدة أنها تعمل على ترتيب اللقاءات ،ويجول دبلوماسيوها في المنطقة والعالم لانجاز هذه المهمة ، ولكن ما أن يذهب العالم الى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار بهذا الشأن ، حتى يُشهر المندوب الامريكي سيف النقض(الفيتو) ، فخلال الحرب في غزة (اقل من عام تقريبا) استخدمت امريكا حق النقض ضد فلسطين خمس مرات ، وهو ما يشير لثنائية الموقف الامريكي ، إذ تضمنت هذه القرارات :

1- قبول فلسطين عضوا كاملا في الامم المتحدة( رفضته امريكا التي تزعم أنها مع حل الدولتين)، وهنا تكون الولايات المتحدة داعية لدولة فلسطينية الى جانب اسرائيل ولكنها ترفض الاعتراف بهذه الدولة الفلسطينية؟ كيف؟

2- وقف اطلاق النار ومنع التهجير: تعلن الولايات المتحدة باستمرار انها ضد تهجير السكان الفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية، وعندما تم تقديم مشروع قرار في مجلس الامن (20 ديسمبر 2024) يطالب بمنع التهجير، استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو؟ كيف تعلن منع التهجير ثم تصوت ضد قرار يمنع التهجير.

3- تكررت مطالبات وقف اطلاق النار حتى من قبل دول اوروبية ، وتعلن الولايات المتحدة ان جهودها الدبلوماسية تسير نحو وقف اطلاق النار وتهدئة المنطقة ، وتساهم قنوات عربية من انتاج راند كوربوريشين(Rand Corporation) في الترويج للجهود الامريكية لوقف سفك الدماء، وما ان تطرح دول اخرى مشروع قرار في مجلس الامن لوقف اطلاق النار تقوم الولايات المتحدة باستخدام حق الفيتو كما جرى في مرتين في ديسمبر 2023).فكيف تدعو للاستقرار من ناحية وتصوت ضد وقف اطلاق النار الدائم؟هل يمكن تحقيق نصف استقرار؟

4- فإذا عدنا قليلا للنهج الامريكي في مجلس الامن الدولي سنجد ان الولايات المتحدة استخدمت الفيتو طيلة حوالي 80 عاما من عمر الامم المتحدة بما مجموعه 83 مرة ، منها 42 مرة لصالح اسرائيل، اي ان نسبة الفيتو الامريكي لصالح اسرائيل هو 50.6% اي اكثر من بقية دول العالم في كل القضايا الدولية الاخرى.

5- ولو ذهبنا للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي جرى فيها التصويت على موضوعات الحرب في غزة في خمس قرارات ، كان مجموع ما حصلت عليه اسرائيل في اجمالي الخمس قرارات(مجموع التصويت في الخمس قرارات) هو 288 صوتا ، بينما حصلت فلسطين على تأييد 544 صوتا، وهو ما يعني أن فلسطين متفوقة في التأييد الدولي اكثر من اسرائيل ب 256 صوتا، ومع ذلك وقفت الولايات المتحدة مع الأقلية التي ساندت اسرائيل.

ب‌- ادعاء الضغط على اسرائيل للانضباط في اعمالها من ناحية وتقديم المساعدات لها ، ويكفي النظر في المؤشرات التالية الخاصة بالمساعدات الامريكية لإسرائيل(الارقام من معهد الامن القومي الاسرائيلي).

1- تقديم ما مجموعه 26 مليار دولار مساعدات اقتصادية ومالية.

2- تقديم ما قيمته 14 مليار دولار مساعدات عسكرية .

3- المشاركة في عمليات عسكرية ضد محور المقاومة من خلال اعتراض 70 مسيرة ايرانية( هجوم ابريل 2024) و 3 صواريخ باليستية اطلقها انصار الله ،و 9 مرات مهاجمة اهداف في سوريا والعراق .

4- القيام بقصف اهداف يمنية بحوالي 350 قذيفة و50 صاروخا .

5- تعزيز تواجدها العسكري من خلال تواجد 40 الف عسكري امريكي في المنطقة(تركيا والاردن وسوريا والعراق ودول الخليج).

6- تعزيز وجودها الجوي والبحري ، فأصبحت مجموع قواعدها العاملة 25 قاعدة منها 17 قاعدة جوية و 8 قواعد بحرية

فهل من يريد الاستقرار يقيم جيوشا وقواعد برية وبحرية وجوية لمساندة المعتدي والمحتل لأراضي الغير ويقدم له المساعدة الناعمة والخشنة ،فكيف يقوم سلام والجيوش تحتشد لمساندة احد الاطراف ضد الطرف الآخر؟

النتيجة:

ان محاولات الترويج لتفاؤل بقرب انتهاء الحرب في غزة ولبنان هو جزء من استراتيجية التخدير لتحقيق اهداف ثلاثة :

أ‌- منح نيتنياهو اطول فرصة ممكنة لتحقيق اهدافه في غزة ولبنان وحصر الصراع بين محور المقاومة "الشعبي" واسرائيل دون تدخل مباشر من ايران ، نظرا لان اتساع المواجهة قد يضر اوروبا ضررا بالغا (اسعار الطاقة والمهاجرين والعنف المحلي وارتفاع اسعار النقل واضطراب التجارة البحرية...الخ) ويضر امريكا لانه يصرفها عن اوكرانيا وتايوان ، وقد يؤثر حتى على انتخاباتها الرئاسية كما جرى في الحرب العالمية الثانية.

ب‌- محاولة تحميل محور المقاومة المسؤولية عن تعثر التفاوض من خلال الترويج بان الحل اصبح قريبا وان اسرائيل ومكتب نيتنياهو يشير لقبول بالعروض المطروحة، وبالتالي رسم صورة لمحور المقاومة بانه هو المسؤول عن التعطيل، بل وربما الرهان على خلافات داخل المحور مع اشتداد الازمة وزيادة تعقيد المشهد.

ت‌- ان الترويج لقرب الوصول لحل يبقي بذرة التطبيع مع اسرائيل قابلة للنمو قبل ان تجرفها سيول الصراع الدائر، وهو ما يجعل وهم التسوية على سرير الشفاء ،وتمنحه بيانات قرب الحل بعض الاوكسجين والدم والغذاء، فليس مهما ان تموت غزة طالما احلام "ابطال الشجب والإدانة" وموظفي اعلام دبلوماسية الإنابة يطوفون حول البيت الابيض.

إن السلام يشبه المرأة ، فمثلما ليس هناك إمرأة نصف حامل ،ليس هناك نصف سلام ..مهما حاول " اعلام راند كوربوريشن الترويج له".

التوصية:

أملي ان لا توافق المقاومة مهما كان الثمن على اية مشاريع الا إذا نصت بشكل صريح ولا لُبس فيه على: وقف دائم لوقف اطلاق النار والانسحاب التام من غزة وان يتم اكتمال تبادل الاسرى مع اكتمال الانسحاب الاسرائيلي التام وبدء تشغيل المعابر لقطاع غزة لتلقي المساعدات...اما في لبنان فلن تتوقف مساندة المقاومة في لبنان لغزة دون وقف القتال التام في القطاع...ولا أحد ينتظر ان تُنجب نصف الحُبلى.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات