تتكافأ الأدلة بين المشاركة والمقاطعة، وهو مظهر من مظاهر أزمة المعارضة الديمقراطية. وفي إطار التقدير، وهو اجتهاد لا أكثر، بدا لي أنّ من اختار المقاطعة لكي لا يُلدَغ من الجُحرِ نفسه مرة ثانية (جحر 2019) إنما يضع يده في الجحر نفسه.
وحين يحاول استرداد حرياته واستعادة الديمقراطية وإصلاح الدولة (إذا أمكن له استجماع بعض شروط ذلك) سيكتشف أنّه أمام "دولة أخرى" وأنّ الدولة التي أراد إصلاحها أصبحت من الذكرى.
بقي سؤالٌ لم أجد له جوابا عند أصحاب المقاطعة: إذا كانت المشاركة في الانتخابات في الشروط المعلومة وفي الأوضاع غير العادية تمثل تزكية للانقلاب لماذا استُهدف كل من فكّر في الترشح بكل تلك الشراسة وبكل ذلك العبث بالأخلاق والقانون؟؟!!
حين أدبر الأمر حطّم السلاسل، وقد تكون المشاركة هي السبيبة التي تستعيده…ذلك هو عالم السياسة... مع استحضار واقع المعارضة والحركة الديمقراطية الرث وأزمة مركّب الانقلاب وتحولات المشهد واضطرابه ارتسمت ثلاثة مخارج:
الأفضل: اجتماع المعارضة الديمقراطية حول المشاركة في الانتخابات بالتصويت لـ"المرشح السجين".
الأقل أفضلية: اجتماع المعارضة حول مقاطعة الانتخابات. وكان هذا الموقف ممكنا بناءً على رفض الهيئة تنفيذ حكم المحكمة الإدارية، ويكون من نتيجة هذا الموقف انسحاب "المرشح السجين" من السباق.
المتهافت: انقسام المعارضة الديمقراطية بين المقاطعة والمشاركة. وهذا هو الموقف الأقرب لواقع الحال.
ومن المؤسف أن لا تقدر قيادات سياسيّة وطنيّة تاريخية تناهض الانقلاب على الالتقاء على أحد الموقفين. ويتمترس كل منها عند موقف شخصي لا يخلو من "جذريّة" تبدو علاقتها بالسياسة ضعيفة، في سياقنا المخصوص، وفي بلدنا المنكوب.
فالمطلوب في الموقف السياسي في هذه السياقات الاستثنائية ليس التأكيد على "مبدئيّة" صاحبه وإنّما الاجتهاد في الوصول إلى التقدير الأنجع للخروج من الحالة المُكربة.