بين "النقد الذاتي" و"الجلد"

كتب الصحفي والكاتب الحبيب بوعجيلة قائلا بالعاميّة "انا مع النقد الذاتي اما مش مع الجلد الذاتي...الطبقة السياسية التونسية بكل تياراتها والتي هب كثيرون لجلدها بعد نتائج الرئاسية راهي ممنوعة من العمل السياسي كان ما في بالكمش ..بعض قياداتها في الحبس وبعضهم في المنافي (..) شنوة هالحالة المكربة ؟ حالين علينا مندبة مالبارح (…)؟ ...يزي من التقييمات الثرثارة يهديكم "


…

بعض التعليقات السريعة:

- يتضمّن النص منسوبا عاليا من الحماس بحيثُ يُفقدُه شيئا من الموضوعية؛ حماسٌ قد يرتقي الى حماس " الجلد الذاتي" أو حماس جزء هام من المواليين للوضع الراهن.

- لا يمكن لاي كان منع تونسي من العمل السياسي، بل الاغلبية المعقلنة التي قرأت عنها على الاقل تذهبُ الى ضرورة تأخّرهم عن العمل الحزبي. اذْ لا يمكن لاي كان احتكار محتوى ومنهجية وتوقيت النقد او الانتقاد بكل أنواعه خلال الأزمات بتعدّد المرجعيات والنوايا والاجندات، او تحديد المسافة بين "النقد الذاتي" و"الجلد" إلاّ إذا اعتمد منهجيةً موضوعيّةً في "التقييم"، وهذا ليس بالأمر الهيّن.

- أما عن التقييم في "الفيسبك"، الذي هو ليس مجالا أكاديميا ولا ملتقى المعارضة ولا الموالاة، بقدر ما هو إطار فُسيفُسائي يقوم فيه :

(1) المُثقفون بدورهم الطبيعي في تعميق الوعي بالقضايا المشتركة باعتماد الموضوعية والعقلانية، و

(2) والمسيّسون بتمرير رسائلهم السياسية وخوض معاركهم، و

(3) المتبلّدون ذهنيا بدور إعادة توالد الواقع على حاله، …. فانه (أي التقييم) يخضع في كل الأحوال الى مقاييس؛ مقاييسٌ منها "الاقتصار على النتائج" أو "المُخرجات"،

وهنا – بقطع النظر عن الأسباب- لا يختلف اثنان في أن النخبة السياسية الصاعدة إذا أُخذت كُلّيّا قد فشلت في إدارة الانتقال وساهمت في تفريط الفرصة التاريخية التي أُتيحت لها في إدارة الشأن العام وما نتائج الانتخابات الأخيرة بملابساتها الاّ مؤشّر كمّي لذلك. ومن هذه المقاييس كذلك هناك "المُدخلات" التي ترجع كذلك الى ما قبل 25 جويليا وحملة اعتقالات القادة السياسيين، أي الأسباب العميقة التي أدّت الى الفشل، بقطع النظر عن المرجعية النضالية أو الفكرية، فانّ الامر معقّدُ نوعًا ما، إذْ فيه :

(1) الأيديولوجيا، و

(2) انعدام الكفاءة لدى أغلب الاحزاب، و

(3) عدم انخراط جُــل التونسيين في الخُروج من الاوتوقراطية، و

(4) تضخّم الأنا أو الشخصانية أو الأنانية لدى عدد من قادات الأحزاب المهمّة على حساب فسح "المجال الميداني" للأجيال السياسية الصّاعدة ممّا سمح باتهامهم بخيانة مبادئ الديموقراطية صُلب أحزابهم،

(5) تبعثر الأولويات وخاصّةً :

(أ) موضع الأحزاب ودورها وعلاقتها بالديموقراطية الحديثة خلال فترة الانتقال على عكس موضعها ودورها خلال الاستقرار المؤسّسي واكتمال مسار الدّمقْرطة،

(ب) البُعد الاقتصادي والمعيشي أمام البُعد الاجرائي والسياسوي الرخيص،

(6) تأخّر النخبة المُثقفة في دورها الطبيعي ومكانتها المُنتظرة في تصدّر أدوار محورية في مسار الدّمقرطة،

(7) عدم انفتاح الاحزاب التي صعدت الى الحُكم على النخبة التونسية الدّاخلية بقطع النظر عن ميولاتهم ومشاربهم الفكرية (…) ،

(8) قدرة الباحثين والمسيطرين على الريع في تطويع جانب هام من الاقتصاد والإعلام واستقطاب بعض السياسيين،… مع الاقتناع تمامًا انّ تحويل تونس الى بلد متقدّم مؤسّسيا ويضمّ مواطنين بأتمّ معنى الكلمة يحتاج الى أجيال ولا فقط الى نخبة سياسية وقادة أحزاب بعينهم فقدَ جلُّهم – بالخطأ أو بالصّواب- مصداقيتهم ودُنّست صورُهم بطريقة على الأرجح غير رجعية في لاوعي "مواطن" وليد نظام تعليم فاشل، وأسرة مُفكّكة أكثر منها متماسكة وآفاق مستقبلية غامضة واعلام هزيل في مُجمله واختراقات متعددة الابعاد…

بكل ودّ.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات