في رحلة في درب الشّوك،بحثا عن زهرة القرنفل،تستوقفك صورة غلاف الرّواية و تلك اليد المكبّلة بالأسلاك الحديديّة و الحاملة لما تبحث،و كأنّها صورة لنفس اليد الّتي خطّت الكلمات و رسمتها بحروف شكّلتها من تلك الأسلاك الشّائكة.
نسيج سردي متميّز لسيرة ذاتية فريدة من صنع مهندس لغة في محيط ثلاثي الأبعاد، و بين ثناياها و في حقول ألغامها تصدمك علامة طريق لافتة تجترح المعنى و تختزل القصّة و تبوح بما خفي من أسرار،حينها كشفت النّهاية عن وجهها للبداية لتقول لها كلّ شيء:
"الآن جاء الموعد يا أمّاه،فلقد رأيت نفسي اقتحم عليهم مواقعهم،اقتلهم كالنّعاج ثمّ استشهد،و رأيتني بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في جنّات النّعيم, و هو يهتف لي مرحى بك، مرحى بك!"
ذاك ما كتبه السّجين رقم 7333335 يحيى السّنوار المحكوم عليه بأربعة مؤبّدات في سجن نفحة بالنّقب منذ عشرين عاما.
و منذ عشرين عاما أيضا تسرّب أنّ يحيى أصيب بورم دماغي خبيث و مميت لكنّه نجا منه كما نجّى اللّه موسى من فرعون،بعمليّة جراحية استأصلته ليتعافى و يقضي اثنتي عشر سنة أخرى قبل أن يطلق سراحه و يحرّر في صفقة وفاء الأحرار.
هكذا نجا السّنوار من السّرطان الدّماغي الخبيث الّذي أصابه في السّجن و هو المحكوم عليه بالمؤبّدات لأجل مقاومته سرطانا أخبث و أمرّ ،و عندما نجا أيضا من السّجن كما في قصّة يوسف، أبى إلّا أن يواصل مسيرته النّضالية للتخلّص منه،و قد أيقن بالدّليل القاطع أن لا سبيل للنّجاة منه الّا بالجراحة و الاستئصال.
السّرطان مرض خبيث يصيب برمجة الخلايا بالجنون و يفقدها ميزتي التوقّف عن التّكاثر عند التّلامس و الموت المبرمج،فتنقسم بلا حدّ مشوّهة لوظيفة و هيكلة الخلايا السّليمة،و هكذا يحتلّ الورم المكان ثمّ يتوسّع و ينتشر و يفرّخ مكانيا و عن بعد،و تفريخاته تلك قد تكون أكثر توحّشا و تدميرا من الورم الأمّ نفسه.
أدرك السّنوار أنّ الإشكالية مع هذا السّرطان الخبيث هي قضيّة وجود فلا سبيل للتّعايش معه و لا سبيل للنّجاة منه الّا بالمقاومة و المبادرة باستئصاله و أن لا فائدة في التردّد و التمهّل و الانتظار ،فكلّ لحظة تمرّ تمكّنه من مزيد التوطّن و التوسّع و الانتشار.
لذلك كان طوفان الأقصى ردّة فعل قصوى لجسد أنهكه السّرطان رفضا للموت الجاثم و رغبة في أن يحيا.
كان يحيى بحجم أمّة انغرس في جسدها هذا الورم الخبيث و نشر فيها تفريخاته و كانت الأمّة تسكنه في جسده و قد أصابه الورم و انتصر عليه و هو ما أراد أن يثبته لنا،عبر طوفان الأقصى و ملحمة نضاله لينهي اللّوحة الّتي نقشها بتلك العصا الّتي رماها في نهاية مشهد أسطوري لا يتكرّر و هو يقاوم حتّى آخر خرطوشة و جهد و نفس.
هي أشبه بعصا موسى لتشقّ بحر وعينا و تفيقنا من غيبوبتنا عسانا نلتقطها لنكمل المسيرة و نقاوم السّرطان.
قاوموا السّرطان و تفريخاته فهي قريبة منّا و انتشرت في كلّ مكان،يمكننا الانتصار عليه بالمقاومة و الاستئصال و لاشيء غير ذلك، كما برهن لنا ذلك السّيد الشّهيد القائد الملهم الزّعيم أبو ابراهيم يحيى السّنوار.