عن المسبح البلدي بالبلفيدير: (بيضة الديك)

لا شك أن إعادة الحياة إلى المسبح البلدي بالبلفيدير بعد أن كان لسنوات طويلة خربة مهملة وسط العاصمة أمر من الأهمية بمكان، ولا يمكن لأي تجاذب سياسي مهما بلغت حدته أن يكون مطية للتشكيك فيه أو اتخاذه هزؤا، فلا معنى للمواطنة إذا لم نفرح بكل ما يتحقق في أي شبر من تراب البلاد. نفرح لترميم مسبح في العاصمة كما نفرح لإقامة جسر صغير فوق واد.

لكن تغطية الحدث في الإعلام رغم (التطبيل) لم تخترق القشرة الخارجية وتكلمت كثيرا دون أن تقول شيئا! فبقاء المسبح مهملا لسنوات طويلة لم يكن نتيجة عجز المقاولات الوطنية على (البناء والتشييد) بل لرغبة البعض (كما يتردد) في تغيير المشهد العمراني بالعاصمة، وهذه نتيجة منطقية لنموذج اقتصادي ليبرالي وزواج متعة قائم منذ سنوات طويلة بين الاستثمار الخاص والدولة العميقة.

قس على ذلك كثيرا من المشاريع المعطلة، فالدولة بما هي المؤتمنة على الإرث الثقافي للمجموعة الوطنية، تريد مثلا ملعب المنزه التاريخي الذي شهد أكبر الملاحم الكروية وتعلقت به ذكريات أجيال وأجيال، فيما يتخيل المستثمرون ما يمكن أن يقام على تلك المساحة من الأرض في ذلك الموقع الاستراتيجي الرائع من أبراج سكنية وإدارية ومراكز تجارية، سيقع إنشاؤها في شهور معدودات لو أعطتهم السلطة الضوء الأخضر! وهذا الصراع ليس بالضرورة (مؤامرة على أمن الدولة) بل هو من نتائج (عصر القوة)، إنه تعبير حي عن اختلاف وجهات النظر بين النزعة البراجماتية والنزعة المحافظة، ولا شيء يؤكد أن (المصلحة العامة) تقع بالضرورة في ترميم الملعب بدل هدمه وإنشاء ملعب جديد في مكان آخر

نبتهج بهذا الإنجاز في ظل عدم وجود إنجازات أخرى يمكن أن نبتهج بها، لكننا نعتبره إنجازا استثنائيا، فإسناد مشاريع التعمير إلى المؤسسة العسكرية قد يكون إقرارا صريحا بفشل الدولة في إصلاح قطاع المقاولات العمومية والإدارة، ثم إن طبيعة التدخل الاقتصادي للبنك الذي مول عملية الترميم، في حاجة إلى أكثر من توضيح، فهل هي عملية نموذجية في إطار الصلح الجزائي كما تخيله قيس سعيد منذ سنوات والقاضي بتوجيه (أفسد الفاسدين) إلى (أفقر معتمدية)! أم هي (هبة) تقدمها هذه المؤسسة في ظل ما تمارسه (الفئة الغالبة) من ضغوط على البنوك واتهام لها بالتغول؟ لا سيما أنه من غير الممكن (البناء والتشييد) دون شراكة حقيقة بين القطاعين العام والخاص ودون فتح الأبواب أمام كل الاستثمارات الممكنة بكل الصيغ الناجحة والمتاحة.

إننا في حاجة ماسة إلى إرساء برنامج إصلاحي شامل يمثل الدولة وعدم ترك مشاريع الإصلاح خاضعة للمزاج الرئاسي، فهذا الأسلوب الفردي في معالجة كل قضايا المجتمع، (جُرّب ولم يصحّ) والخوف كل الخوف من هذه النزعة (النوفمبرية) التي ترتبط بالفرد الواحد الأحد ولا تحمل المجموعة الوطنية أفرادا ومسؤولين عبء الإصلاح والتغيير، وهذا لا يمكن أن يكون في ظل (نظرية المؤامرة) والتخوين وتكميم الأفواه والإقصاء.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات