إذا كان «أعظم» من في تاريخها الثقافي شارك في تدشين الجامعة العبرية، و«أعظم» من في تاريخها السياسي بدأ حياته بالعلاقة مع ضباط «البلماخ»، فماذا تنتظر من جاسوس مهرج مثل «السيسي»!؟
الضجة المثارة بشأن السفينة (الشريط أدناه يصور سفينة «ساعر5» الإسرائيلية الحاملة للصواريخ وهي تعبر «قناة السويس» اليوم، دون الإشارة إلى الاتجاه (شمالاً أو جنوباً ). لكن الأكيد هو أنها تتجه نحو البحر الأحمر، كون قواعدها تقع في حيفا و أشدود على البحر الأبيض المتوسط. ومن المتوقع أنها في طريقها لتنفيذ عدوان على اليمن. على الهامش: كان الجاسوس البريطاني - الأميركي «محمد حسنين هيكل» هو أول من اقترح على «السادات» (قبل توقيع اتفاقية فصل القوات الأولى) «الموافقة على طلب إسرائيل منحها الحق في عبور قناة السويس عسكرياً، وليس مدنياً فقط، لكي توافق على فك الحصار عن الجيش الثالث المصري» ( 45 ألف ضابط وجندي كانوا أسرى ورهائن ثلاثة أشهر : من 23 أكتوبر 1973 وحتى 23 يناير 1974). وهذا ما حصل، حتى قبل توقيع «اتفافية كامب ديفيد» بسنوات. ) التي تنقل السلاح إلى إسرائيل عبر ميناء الإسكندرية المصري مثيرة للسخرية، لكأنما تاريخ مصر السياسي ( والثقافي أحياناً) يشذ عن قانون التآمر على فلسطين مع الحركة الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل، ومع هذه الأخيرة بعد قيام الدولة بفرمان دولي.
الجميع يمكن أن يتحدث عن العهد الساداتي، باعتباره مضرب مثل في التآمر والسفالة والعمالة منذ أن جنده نائب مدير وكالة المخابرات المركزية «شارلز هيلمز» في العام 1965 مقابل مخصص مالي سنوي تدفعه المخابرات السعودية بمعرفة وغطاء من رئيسه «جمال عبد الناصر» !!!
ولكن من يتجرأ حتى على قراءة معلومة تقول إن أول تدريب أمني تلقاه «عبد الناصر» كان على يد ضابط «وحدة المستعربين» في «البلماخ»(قوات الصاعقة في منظمة «الهاغاناه» الصهيونية) المقدم من أصول يمنية « يروخام كوهين ירוחם כהן »، نائب الكولونيل «ييغال آلون»، قائد الجبهة الجنوبية مع مصر في حرب العام 1948!؟
من يعرف من أيتام «عبد الناصر» أن هذا الأخير بدأ حياته السياسية بأن طلب من «كوهين» أن يعلمه – حرفياً - «الأعمال الإرهابية التي لجأ إليها اليهود لتحرير وطنهم، فلسطين، من الاحتلال البريطاني، لكي يطبقها هو في مصر التي تحتلها القوات البريطانية أيضاً»!؟ ومن يعلم منهم أنه ختم حياته السياسية، قبل وفاته بثلاثة أسابيع فقط، برسالته إلى وزير المالية الإسرائيلي «بنحاس سافير»، التي نقلها الصحفي والديبلوماسي الفرنسي الشهير من أصل مصري «إريك رولو »، والتي اعتبر فيها المشكلة الفلسطينية مجرد «مشكلة لاجئين»!؟
المشكلة حتى «هبّور» مثل الشعبوي الناصري الشهير «أسعد أبو خليل»، المغرم حتى الثمالة بـ «عبد الناصر»، لم يقرأ حتى اعتراف هذا الأخير بعلاقته مع ضباط «البلماخ» (في كتيبه «فلسفة الثورة» الذي كتبه له مستشاره ورئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في القاهرة الدكتور «جيمس آيكلبرغر» في العام 1954). ولو كان قرأه لبصق على نفسه وعلى معلمه وتاريخ الناصرية كله.
نعم، هذا ما اعترف به «عبد الناصر» في الصفحة 14 من الكتيب المذكور، الذي لم يقرأه أحد من أيتامه على الأرجح ، ولو أن النصاب الكبير «محمد حسنين هيكل» كتب اسم الضابط بطريقة خاطئة حين ترجم الكتيب إلى العربية، فقال إنه «يردهان كوهين» ، بينما هو «يروخام كوهين»، وأوردَ الاسم في صيغة أخرى هي «يورهان كوهين» في الحلقة 66 من برنامجه الخاص على قناة «الجزيرة» بتاريخ12 أكتوبر 2006،التي خصصها لظروف ولادة الكتيّب المذكور( طبعاً كل ما قاله في الحلقة نصب ودجل واحتيال، وليس فيها حرف واحد صحيح، لأن الأوراق الخاصة لـ «جيمس آيكلبرغر»، التي اطلعتُ عليها عند وريثته / ابنته «آن تازويل- آيكلبرغر Anne Tazewell-Eickelberger» ، تؤكد أنه هو من كتب «فلسفة الثورة». أكثر من ذلك: إن الأحمق «هيكل»، ومعه معلمه «ناصر»، ارتكبا خطاً قاتلاً أثناء تحرير وترجمة الكتيب إلى العربية يجعل كل لمّاح حصيف يكتشف أن الدكتور «آيكلبرغر» هو المؤلف الحقيقي للكتيب، والذي ألفه في سياق عملية تعويم «ناصر» شعبياً من قبل وكالة المخابرات المركزية وتعليمه «أصول الحكم من قبل حكومة ثورية»، حسب تعبيره ).
على أي حال، حتى «طه حسين» نفسه، إذا انتقلنا من السياسة إلى الثقافة، كان - بدعوة خاصة من «خاييم وايزمان»-على رأس قائمة ضيوف «المنظمة الصهيونية العالمية» و«الوكالة اليهودية» في حفل تدشين «الجامعة العبرية» في القدس المحتلة في نيسان / أبريل 1925، إلى جانب «بلفور» (صاحب الوعد الشهير!) و «ونستون تشرشل»، الذي كان أمر باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد أهالي قطاع غزة قبل ذلك بسبع سنوات فقط! ولم يكْتفِ «طه حسين» بذلك، بل إن أحد أشهر طلاب الدكتوراه عنده خلال الفترة 1922-1927 لم يكن سوى «إسرائيل ولفنسون ישראל וולפנזון » (المعروف باسم «إسرائيل بن زئيف ישראל בן-זאב » ، وعربياً باسمه الاستخباري / الاستعرابي«أبو ذؤيب»). ويومها كان أحد أبرز نشطاء الحركة الصهيونية السرية في مصر ، ثم ضابطاً في «وحدة المستعربين» في الاستخبارات الإسرائيلية بعد تأسيسها في العام 1943!
وحين تقرأ أطروحته للدكتوراه، التي أشرف عليها «طه حسين» نفسه وكتب مقدمتها التقريظية، وهي عن «اليهود في الجزيرة العربية» لا تكتشف فقط أن هذا الأخير كان أحمق وجاهلاً ( بخلاف كل الخرافات المحيطة باسمه)، بل ورائد «الصهيونية الثقافية» في العالم العربي و«التطبيع العربي – الصهيوني» بلا منازع. وأما عن حماقته وجهله، فيكفي أن تقرأ أنه وافق تلميذه على أن «العبرية كانت لغة أهل فلسطين الكنعانية (…) وأن الآرامية هي ابنة العبرية» (حرفياً!!). ولا أظن أن بغلاً أو حماراً، سوى من سطا على أبحاث المستشرق اليهودي البريطاني «دافيد صموئيل مرغليوت David Samuel Margoliouth»عن «الشعر العربي الجاهلي »، يمكنه أن ينطق بهذا الخراء الثقافي الذي يتقيؤه أعمى بصيرة وليس أعمى بصر!
ذلك هو التاريخ الحقيقي للموقف المصري الرسمي من الحركة الصهيونية والقضية الفلسطينية( وبعض موقفها الثقافي)، كيلا نعيد التذكير بمؤامرة «ناصر» و وكالة المخابرات المركزية لتهجير أهالي غزة وتوطينهم في سيناء. وهذا التاريخ، على أي حال، وبخلاف كل الخرافات السائدة، لم يبدأ مع انقلاب مايو الساداتي الذي دبره «هيكل» و رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في القاهرة، «يوجين ترون»، بل منذ عشرات السنين قبل ذلك. فـ «السادات» هو سليل هذا التاريخ وابنه الأصيل، وليس من صنعه أو دشّنه! و وحده من لا يعرف هذا التاريخ الوسخ، سيصاب بالصدمة والذهول حين يعلم أن جاسوساً مهرجاً مثل «السيسي» يفتح موانئه لنقل السلاح إلى الإسرائيليين كي يقتلوا به الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم.