ساعات قليلة و يبوح سباق الفيل و الحمار بأسراره، سباق مشوّق استأثر باهتمام جميع كائنات غابة التوحّش بما فيهم تلك المهدّدة بالانقراض كالإنسان.
لا يختلف الفيل عن الحمار سوى في الحجم و الشّكل و يشتركان في أنّ لهما نفس سرعة الرّكض و قوّة الشمّ و الذّاكرة أي لهما نفس العقل،و لن يتمكّن أحدهما من الفوز على الآخر في الحالات العادية إلّا بتدخّل خفيّ من طرف ثالث يقيّم من يكون الأصلح في مركز القيادة،فلا شكّ أنّ حيوانات أكبر مزرعة متوحّشة على ظهر البسيطة لن يكونوا هم المحدّدين لاختيار من يحكمهم حتّى و لو خيّل لهم ذلك،سيقادون كالقطيع لاختيار هذا أو ذاك حسب ما تقتضيه المصلحة العليا لغابة التوحّش ، لضمان استمرارها في النّهب و السّيطرة و التوسّع،لا يعلم أحد كيف تدار الأمور من وراء السّتار،لكن من المنطقي أن تدار غابة التوحّش بوحوش و من المتخيّل أن يكون على رأسها أكثرهم توحّشا،كتلك الّتي وردت في الأساطير القديمة،اذ قد يشبه بوليفوموس الصّقلوب ذي العين الواحدة من يلتهم البشر و لا يقيم وزنا لقانون الاهي أو بشري،مسخ نراه من خلال تلك العين الواحدة المرسومة على هرم الدّولار!
لا فرق جوهري بين الفيل الأبيض و الحمار الرّمادي أو الدّاكن ،ذاك ما أثبته "فرانز فانون" في كتابه "جلود سوداء و أقنعة بيضاء"،كلاهما وجهان لعملة واحدة و قد يختلفان فقط في طريقة اصطياد الفريسة و طريقة قتلها بمخدّر أو بدونه.
كلاهما واجهة لمنظومة واحدة،امبراطورية واحدة،امبراطورية استعمارية إبادية،استيطانية،عنصرية و توسّعية،أوغلت في قتل الإنسان و استباحته منذ قرابة 235 عام،ابتدأتها بمحو ملايين السكّان الأصليين لتستمرّ في ممارسة هوايتها إلى يومنا هذا،عمليّات يقولون عنها أنّه كان لا بدّ منها كأضرار جانبيّة ضروريّة لنشر "حضارتهم" المزعومة و استعجال نزول"المخلّص".
ما ارتكبه"الدّيمقراطيون" من جرائم و فظائع لا يختلف عمّا مارسه" الجمهوريون". فجاكسون"الدّيمقراطي"(1829_1837) كان مغرما بالتّمثيل بالجثت و كان يحسب عدد القتلى من السّكان الأصليين بإحصاء الأنوف و الآذان المقطوعة،و روزفيلت (1933_1945)"الدّيمقراطي" كذلك، كان يصنّف السكّان الأصليين كحيوانات مفترسة ليتجاوز بذلك الصّهاينة في اعتبار الفلسطينيين حيوانات بشريّة،و هو كذلك يعتبر أنّ مبدأ الأمان بالنّسبة للإنسان المتحضّر( و هو بالضّرورة الأبيض المتفوّق) يكمن في التخلّص من جيرانه البرابرة في استحضار لتعريف هرتزل لوظيفة الصّهيونية كاستحكام محصّن أمامي للحضارة الغربيّة أمام برابرة الشّرق و هو ما يردّده دائما النّتن ياهو و قد فعل ذلك من أعلى منبر الأمم المتّحدة.
هكذا تتعامل منظومة الاستكبار العالمي مع المختلفين و الأغيار،فهم يعتقدون جزما بأنّهم شعب اللّه المختار،يد اللّه الفاعلة و القادرة و قدره الّذي يسري في الكون،ألم يبرّر ترومان جريمة القنبلة النّووية بقوله:"لقد أدّت أمريكا دورها، الدّور الّذي أنشأها عليها الربّ".
لا يختلف الفيل عن الحمار،يحملان نفس العقيدة، عقيدة الابادة و الدّم،عقيدة مرتكزة على ثالوث الاصطفاء و الاستثناء و احتكار حقّ القوّة المطلق،حقّ ممنوح حصريا للأمّة الأمريكية النموذج و المختارة من السّماء لتمثّل الأمل و المتحضّر و خلاص البشرية و هو ما عبّر عنه المؤرّخ "باول ايريكسون":"شعب اللّه المختار المرسل ليكون أداة التّغيير و التّأثير و عيونه في الأرض".
لا يوجد فرق جوهري بين ترامب الأشقر و كامالا السّمراء كما لا يوجد فرق بين الولايات المتّحدة و ربيبتها المصطنعة و المزروعة "اسرائيل".
و ربّما ما يميّز ترامب المنتفخ بجنون العظمة أنّه صريح و واضح و فاضح لما يراد ستره.
و ما يميّز سباق 2024 أنّه يأتي بعد عام من إنفجار الطّوفان،حدث تاريخي لم يكن في الحسبان،ذاك الطّوفان الّذي انفجر في وجه التوحّش و الطّغيان.
ثورة إنسان على حافة الانقراض انتفض كطائر فينيق من تحت الرّماد.
طوفان لم يكن في حساباتهم و قد يربكهم و يدفعهم الى ارتكاب خطيئة قد تعجّل بنهاياتهم، قد يفوز ترامب و يسرق منه الفوز و قد تفوز كاميلا و لن يرض بذلك ترمب ،و الأكيد أنّ ما قبل الانتخابات لن يكون كما بعده كنتيجة طرديّة مباشرة لكون ما قبل الطّوفان ليس كما بعده.
هو صراع بين من يسعى للخلاص من الإنسان و بين طوفان غايته خلاص الإنسان.