حول انتخابات بلاد العم سام

فاز الفيل الجمهوري على الحمار الدّيمقراطي،سباق انتخابي شارك فيه الملايين و اشرأبّت إليه أعناق سكّان البسيطة لما للنّتيجة من تأثيرات تمسّهم بصفة مباشرة و غير مباشرة.

انتخابات كانت نسبة المشاركة فيها عالية وصفت بالتّاريخية حتّى أنّ بعض المقترعين اصطفّوا في طوابير طويلة لمدّة ستّ ساعات ليقوموا بواجبهم الانتخابي،كما أنّ الفئات العمرية المنخفضة كانت حاضرة بقوّة ،و يبدو أنّها هي صحبة الأقلّيات من حسمت النّتيجة لصالح ترامب كعقاب لكامالا و لبايدن على موقفهما تجاه غزّة و فلسطين و لبنان و مشاركتهما في جرائم الإبادة.

انتخابات حقيقية حرّة و شريفة و نزيهة كان بإمكان أيّ كان أن يراقبها،جرت بسلاسة و أعلنت عن نتيجتها في حينها تقريبا،شاهدناها مباشرة و نحن نستحضر ما يجري عندنا في وطننا العربي من انتخابات لاختيار أجمل بعير،أو تجديد البيعة لحاكم يقاطعها ثلثا النّاخبين و أكثر من 90 %من الشباب لتعلن النّتيجة المعلومة مسبّقا بفوز الحاكم بأكثر من 90%من الأصوات.

انتخابات لم يجر فيها سجن المترشّحين الجدّيين و استبعادهم بشتّى الطّرق و تمهيد الطّريق لصالح مترشّح المنظومة باستعمال كلّ أجهزة الدّولة، انتخابات فاز فيها ترامب بنسبة50,97%تقريبا،نسبة لم تخجله بل اعتبر فوزه تاريخيّا و حاسما بالرّغم من جنون العظمة الّذي يسكنه و نرجسيّته الظّاهرة الّتي لا تخفى على عين.

في خطاب فوزه، و في جوّ احتفاليّ بهيج، توجّه ترامب إلى جميع الأمريكيين ،من انتخبه و من لم ينتخبه،لم يقسّم و لم يتّهم طرفا بالخيانة و التآمر و لم يصفهم بالسّحالي و الأفاعي و لم يتوعّدهم بسوء المصير، ترامب لم يسفسط و لم يلق شعارات حنجورية بلا معنى بل عرض برنامجا واضحا و أهدافا قابلة للتحقّق و حاول رتق الانقسام الحاد الّذي يعيشه مجتمعه عبر خطاب متّزن ،جامع و مفعم بالأمل.

ما يهمّنا هنا هو ليس فوز ترامب أو كامالا فكلاهما وجهان لعملة واحدة ، و كلاهما سيسعيان بكلّ جهد لاستمرار رفاهية امبراطوريّتهم المبنيّة على جماجم الآخرين،و الدّليل أنّ أوّل من هنّأ ترامب بفوزه كان وزير وزراء حكومة الكيان الصّهيوني النّتن ياهو الّذي رقص فرحا بذلك ، لتقام الاحتفالات في تل أبيب ، و كأنّ كامالا أو بايدن قد قصّرا في خدمة هذا الكيان المسخ و هما لم يتركا شيئا إلّا و فعلاه اسنادا و مشاركة في جرائم الإبادة ، أمّا ثاني من هنّأه فكانت وزيرة الوزراء الايطاليّة الفاشيّة اليمينيّة ميلوني.

و ليس من الغريب أنّ حكّام صحراء الاستبداد و التسلّط العربي الممتدّة من المحيط إلى الخليج قد ابتهجوا بفوزه بالرّغم من أنّ بعضهم مطالب بأن يجهّز ضرعه للحلب و ظهره للرّكوب و الجلد،فهم يرون فيه بعض الشّبه منهم وهو من لا يقحم أنفه فيما يفعلون في شعوبهم مقابل ما سيدفعونه من جزية.

أكيد أنّ ترامب عندما لوّح بأنّه سينهي الحرب في غزة و لبنان كان يقصد بالتّسريع في الإبادة و تصفيّة المقاومة و تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة عبر صفقة القرن و الاتّفاقية الابراهيميّة و هو ما يتوافق معه جلّ حكّامنا العرب حتّى و لو أعلنوا نقيض ذلك.

الحمار أو الفيل، كلاهما سواء، يختلفان في الأسلوب،تصفية قطرة قطرة أو تصفية سريعة مركّزة ، قتل ببنج أو بدونه،لكن طريقة الاختيار و الفوز هي ما تهمّنا،تلك الدّيمقراطية الّتي برغم هنّاتها و بعض مساوئها تبقى أفضل اختراع بشري للتّداول السّلس على السّلطة و ذات الكلفة الأقلّ و النّتيجة الأفضل.

ترامب فاز أوّل مرّة بآلية الصندوق ليسقطه نفس الصّندوق فيعود بنفس الطّريقة.

الدّيمقراطية و الحرّية و المواطنة و المؤسّسات بما أفرزته من إعلاء قيمة العمل و الإبداع هي ما جعلتهم يتسيّدوننا و يركبوننا و يحلبوننا و يجلدوننا و يبيدوننا،و يستمرّون في ذلك عبر منعنا من التمتّع بتلك القيم الحقيقية و يسرّبون لنا أخرى جنيسة و مسمومة،إلى جانب أنّنا لم نحاول التّعويل على الذّات و ابتكار ما يناسبنا استلهاما من واقعنا و تاريخنا و من تجارب الأمم النّاجحة.

و لعلّ الطّوفان الّذي انفجر قد يثمر ربيعا ثانيا بعد أن نجحوا في اغتيال الرّبيع الأوّل.

الطّوفان الّذي كان عنوانه مقاومة المحتلّ و ما من مستبدّ إلّا و محتلّ،لذلك كلّنا معنيّون به و مطالبون بالانخراط فيه لأجل أن تتحقّق أهدافه، التحرّر و قيامة الإنسان.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات