لبنان بين هُمَزَةِ و لُمَزَةِ

ما أن تم الاعلان عن وقف لإطلاق النار في لبنان ،حتى بدأ "التصيدُ" في ميادين التحليل الاعلامي ، فهناك فريق جعل من وصية الأمين العام السابق للمقاومة الاسلامية بالربط بين وقف القتال في غزة ووقفه في لبنان ميدانا " للهمز" للتشهير بالمقاومة وبأنها كسرت شعار وحدة الساحات وتخلت عن مقاومة غزة، وهذا تيار له موقف عدائي من المقاومة سواء أقاومت او استسلمت، ويتجلى هذا في اعلام دول التطبيع ، اما الفريق الثاني فهو الذي جعل الامر ضمن " اللمز" فيقدم لك تحليلا يسعى للادعاء بالموضوعية بينما هو يقدم الخبر او التعليق بطريقة الايحاء بنكوص المقاومة عن وعدها لغزة، ويبدو ان طريقة معالجة المقاومة اعلاميا للموضوع ترك الباب مفتوحا لفريقي الهمز واللمز ، بخاصة ان الخطبة الاولى للأمين العام الجديد والتي تضمنت الوفاء لخطة الامين السابق لم تُعرِّج على الموضوع ولم تُلمح الى مدى الالتزام به ، ومن هنا بُذرت بذور الالتباس في الموقف ، وتغذت هذه البذور على تجنب قيادات المقاومة واعلامها الخوض في الموضوع رغم انه " التساؤل المحوري " في القطاع الفلسطيني اولا وقوى التحرر العربي ثانيا، وأضاف خطاب نيتنياهو الخاص بأسباب قبوله لوقف اطلاق النار بأنه " لفك وحدة الساحات" ذخيرة لجنود الهمز واللمز.

وهنا يأتي التساؤل الجوهري: هل اعلام المقاومة غير متنبه لخطورة الهمز واللمز؟ أم ان وراء الاكمة ما وراءها؟ هل هناك اتفاقات سرية ؟ هل هناك ربط بين هذا الموضوع وغيره من موضوعات المنطقة لا يراد نبشها الآن ؟ هل لايران دور في هذا الغموض؟ هل اضطرت المقاومة اللبنانية للجم التصعيد نتيجة الشعور بخلل ما ؟ هل هناك مشكلة في عملية اتخاذ القرار في المقاومة؟

ولكن ثمة اسئلة أخرى لا يجوز تغافلها، فماذا لو بدأ حراك قريب لترتيب وقف لإطلاق النار في غزة واخذ زخما معينا، فهل هذا جزء من الاتفاق اللبناني لا يراد الاعلان عنه لان اسرائيل ستبدو هي التي تقدم التنازل؟

ثم هل من دلالة لما ورد اليوم على لسان زعيم انصار الله بأنه مستمر في حصاره البحري ولن يتوقف او يتراجع؟ ثم هل بيانات " العرفان بالجميل" للمقاومة اللبنانية والتي تتواتر في اعلام المقاومة الفلسطينية مؤشر على مجرد العرفان ام مساندة للمقاومة اللبنانية في مواجهة محور الهمز واللمز؟

ان انكار حجم التضحية من قبل المقاومة اللبنانية هو القاء للحطب في موقد الهمز واللمز،وانصراف اعلام المقاومة عن تقديم تفسير ما للقبول بوقف اطلاق النار امر يخلي الميدان لفرسان الهمز واللمز ووكلاء دبلوماسية الإنابة ممن يتحرقون شوقا لفرصة الانتقام ممن ساهم في تحطيم مشروعات راند كوربوريشن وغيرها.

ولكن لنتوقف عند عبارة نيتنياهو في تبرير قبوله لوقف اطلاق النار بأنه "لانعاش الجيش الاسرائيلي"، اي أنه يعني لإراحة الجيش بعد 14 شهرا من القتال، وتغطية النقص في بعض الذخائر ، وامتصاص التوتر الداخلي داخل المؤسسات الاسرائيلية وداخل المجتمع الاسرائيلي، وهنا نسأل لماذا لا يحق للمقاومة ان تقوم بعملية "انعاش موازية" ؟ فتبرير نيتنياهو لقبول وقف اطلاق النار يمكن افتراضه" اكرر افتراضه" عند المقاومة ايضا، ولعل تهديدات نيتنياهو لسوريا تشير الى انه سيعمل على سد طريق الامداد للمقاومة اللبنانية، وهو ما قد يزعزع المشهد كله، فالمقاومة اللبنانية التي ضربت اهدافا اسرائيلية على مسافة 140 كيلو من الجنوب، قد تضرب من جوار الشاطئ الشمالي لنهر الليطاني ردا على ضرب رجالها على طريق الامداد الوارد من ايران او العراق ، ثم هل سنشهد تصاعدا لهجمات انصار الله والعراق بقدر يحبط " بعض "امال الاسرائيليين بالعودة للحياة الطبيعية؟…

ثم هل الموضوع النووي الايراني والذي صعده الاوروبيون مؤخرا سيزيد من نسبة الاحتقان في المنطقة، بخاصة ان نيتنياهو اكد كثيرا على هذه النقطة، وهو ما يعني ان المنطقة قد تكون على موعد مع ما هو اسوأ ، وهو ما يتنبأ به المفكر الروسي الكسندر دوغين والذي يرى ان المنطقة على موعد مع تحولات قسرية عميقة.

وفوق كل ما سبق، ان النصوص التي تم تداولها لمضمون الاتفاق تشير الى انه يكاد أن يكون اعادة صياغة لاتفاق 1701، فهل هناك بند واحد طيلة 18 عاما تم تطبيقه في 1701 سوى حضور اليونفيل الى الجنوب، ثم تبين ان دورها لا في العير ولا في النفير، بل عجزت حتى عن ضمان الحماية لنفسها من الهجمات الاسرائيلية.

اعتقد ان علينا الانتظار شهورا قليلة لمعرفة حقيقة "الاتفاق"، فهل سينفذ الاتفاق بحذافيره؟ هل سيتم وقف اطلاق نار في غزة؟ هل سيؤجج ترامب النار في المنطقة ام ستكون براغماتيته هي السيد ؟ هل سيتوقف الحشد الشعبي وانصار الله ؟ ام هل ستعقد صفقات مع اطراف محور المقاومة تباعا ؟وهل ستترك غزة وحدها ام انها ضمن تسويات قادمة؟

ان اي وهم بان المنطقة ذاهبة لاستقرار طويل الامد هو الاقل احتمالا، وقد تكون الجبهة الداخلية في اسرائيل على موعد مع تغييرات بنيوية بخاصة بعد قرارات الهيئات القضائية الدولية العليا ضد نيتنياهو ووزير دفاعه السابق ، وبعد العديد من المؤشرات عن احتقانات بنيوية في اسرائيل لتصبح ضمن دول المنطقة المعتادة على الاحتقان…

مرة اخرى، نحن كضرير ارسلوه ليلا ليبحث عن قط اسود اختبأ في كهف مظلم …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات