قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا، كادَ المُعلم أَن يَكونَ رَسولا.

من المحتمل أن يكون حادث وفاة/انتحار أستاذ ثانوية "المهدية" تزامنا مع ضغوط تنمر التلاميذ من جهة ولامبالاة زملائه من جهة أخرى. ومن المحتمل أيضًا أنه لم يكن في أفضل حالاته النفسية، خاصة وأنه كان مدرسًا للتربية الدينية، مما يمنحه القوة الروحية والإيمانية الكافية للحفاظ على توازنه. ...ومن المحتمل أنه كان يواجه تحديات وعقبات شخصية أدت إلى إنهاء حياته…

لكن المؤكد هو أن النظام التعليمي ككل يمر بأهون مراحله التاريخية، حيث الإخفاق المعلن لا يحتاج إلى إثبات، خاصة عند مقارنته بالعقود السابقة والعقود التي سبقتها. اذ أنّ مُخرجاته لا تبدو كافية لمواجهة التحديات العالمية الحالية والمستقبلية.

والأمر المؤكد أيضًا هو أن "المُــعلّم" قد تم تهميشُه في عملية إعادة توالد نظام الإنتاج الاجتماعي. وكموظف بأجر منخفض، فهو يعمل في ظروف صعبة، إن لم تكن مستحيلة، مع ساعات عمل طويلة ومتوسط عدد مرتفع من المتعلمين في الفصل الواحد؛ كما فشل بعض الأساتذة في التعامل مع "الجيل Z" و"الجيل α" لأنهم يقتصرون على برامج خارج السياق الثقافي السائد (نموذج السلوك) ... وهذه معاناة يومية.

والأمر المؤكّــد أيضًا هو أن سُلّم قيم النجاح في المجتمع قد انقلب رأسا على عقب في العقود الثلاثة الماضية، بحيث أُضيفت الى وظائف التعليم مهمةُ الحراسة (gardiennage) ومهمةُ إنتاج عاطلين عن العمل وبالتالي مهمشين في المجتمع، مما يساهم حتماً في تدهور مقدرات البلاد من حيث رأس المال البشري.

أما الذين ينجحون في هذا النظام التعليمي، وإن تفوقوا، فلا يبدو أن «آلة الإنتاج الاجتماعي» قادرة على استيعابهم نظراً لتوالدها على نفس الشاكلة. فلا نحتاج إلى عديد المهندسين في المجال الرقمي لأن "مسار التحول الرقمي" لا يبدو أولوية، ودكتور المالية لا يستطيع العثور على عمل لأن معظم المؤسسات الإنتاجية صغيرة، في حين أن أكبر المجمعات مملوكة لعائلات. والمتخصصون في الروبوتات والأنثروبولوجيا والتاريخ والاستراتيجيات والعلوم السياسية وغيرها من المجالات التي ينبغي استبدالها بمجالات معرفية أخرى... كلهم لهم لله، وفي أغلب الأحيان يتم تهميشهم أو يلجؤون إلى الهجرة حسب الآليات المتاحة…

أخيراً، الأمر المؤكد هو عدم كفاءة المسؤولين المتعاقبين في وزارات التربية والتعليم بشكل عام خلال السنوات الأخيرة.

أحاسب أي وزير أهدر الوقت والمال العام في التقاط “سيلفي” في المدارس النائية أثناء "إصلاح حنفــية" وهو فخور بذلك. كما أنني أحمّــل المسؤولية الأخلاقية تجاه كل من بذل قصارى جهده لإعادة طلاء مدرسة في أي من الولايات وهو يفتخر بإنجازه الكبير لأنه امر اقل من عادي، وكذلك تجاه منْ قبـِـل مسؤوليات في السنوات الأخيرة وهو يعلم أنه ليس متخصصا في مجال التعليم وإدارة الهياكل البحثية والعلمية، وأضاع الفرصة للتونسيين ولم يقم بإصلاحات تليق بهم وبتاريخهم وأعلامهم وعُــلمائهم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات